فك شفرة المياه

lipnolake_czech_republic.jpg

تحليل صادر عن الوكالة مؤخرا أظهر أن العديد من البحيرات في جميع أنحاء العالم غير قادرة على تعويض المياه المتبخرة ومعرضة لخطر الاختفاء بمرور الوقت. (الصورة من: ي. فيستافنا/الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

يضطلع اختصاصيون في الهيدرولوجيا النظيرية في الوكالة، بشأن مسائل شتى تتراوح بين ذوبان الجليد وأنماط هطول الأمطار ومعدلات التبخر، بجمع البيانات وتحليلها وتبادلها بهدف فهم مصادر المياه وتاريخها وحركتها بشكل أفضل. وتتيح الأدوات والأساليب الجديدة للباحثين تحليل بيانات المياه بدقة أكبر من أي وقت مضى، مما يوفر معلومات بالغة الأهمية من أجل الإدارة الفعالة للموارد المائية ونمذجة المناخ ووضع السياسات البيئية.

وقالت السيدة سيليست ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: "تمثل البيانات المائية العمود الفقري للسياسات الذكية والاستثمارات المستنيرة." وأضافت: "بدون بيانات نفقد بصيرتنا. إذ إنَّ نُظم الإنذار المبكر بالفيضانات والجفاف وكذلك تصميم البنية الأساسية للمياه مثل الخزانات وبرامج الري ونُظم الصرف تعتمد على البيانات. وتضيف الهيدرولوجيا النظيرية منظورا فريدا يتمثل في تتبع مصادر المياه ومسارات تدفقها لمساعدتنا على إدارة الموارد المائية المشتركة على نحو مستدام."

الذكاء الاصطناعي

في ظل توسع الشبكات العالمية لبيانات المياه، تتقدم الهيدرولوجيا النظيرية بسرعة نحو مجال البيانات الضخمة. وتكشف نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي عن رؤى جديدة في بحوث المياه وتحسين التنبؤات وسد فجوات البيانات.

وكشفت دراسة أجرتها الوكالة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات النظيرية من 1257 بحيرة في 91 بلدا أنَّ نحو 20% من المياه المتدفقة إليها تضيع بسبب التبخر، وفي نحو 10% من الحالات، تظهر البحيرات خسائر فادحة بسبب التبخر تزيد على 40% من مجموع التدفقات الواردة إليها. ومعنى ذلك أنَّه ليس بإمكان العديد من البحيرات تعويض ما تبخر، مما يعرضها لخطر الاختفاء بمرور الوقت. وقالت السيدة يوليا فيستافنا، عالمة الهيدرولوجيا النظيرية في الوكالة والمؤلفة الأولى للدراسة: "استخدمنا الذكاء الاصطناعي لتحديد العوامل الرئيسية للتبخر." وأضافت: "تختلف عوامل التبخر حسب نوع المناخ — استوائي أو قاحل أو معتدل أو قاري أو بارد." واستخدمت الدراسة نماذج الذكاء الاصطناعي لتحديد أكثر البحيرات عرضة لخطر الاختفاء.

واستخدمت دراسة أخرى أجرتها الوكالة نماذج التعلم الآلي لتحديد العوامل المؤثرة في ديناميات المياه وتقدير "نسبة المياه الصغيرة العمر" — وهي المياه التي يقل عمرها عن ثلاثة أشهر — في 45 حوضا نهريا حول العالم. وجسِّد نسبة المياه الصغيرة العمر كيفية تخزين المياه وتصريفها في البيئة، مما يكشف عن أنماط الاحتفاظ بها وتدفقها. ويساعد ذلك على تعزيز فهم الكيفية التي تتفاعل بها الأنهار مع تغيرات الطقس والأراضي، مما يمكن المجتمعات المحلية من التأهب بشكل أفضل للفيضانات والجفاف وإدارة مواردها المائية بفعالية أكبر. وقالت السيدة تزانكا كوكالوفا-ويلدون، مديرة شعبة العلوم الفيزيائية والكيميائية في الوكالة: "من خلال فهم هذه الديناميات، يمكننا التكيف بشكل أفضل مع التحديات التي يفرضها تغير المناخ وتطور أنماط استخدام الأراضي، وضمان استمرار الأنهار في تقديم خدماتها الأساسية للنظم البيئية والمجتمعات البشرية."

ويرى الخبراء أن استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل بيانات المياه يُتيح القدرة على تحسين عمليات اتخاذ القرارات بشكل كبير من أجل إدارة المياه إدارةً مستدامةً. وللمضي قدما في هذه الجهود، وضعت الوكالة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة والمركز الدولي للفيزياء النظرية مؤخرا إطارا لإدماج الذكاء الاصطناعي في البيانات الهيدرولوجية والنظيرية.

tritium_map.jpg

المستويات الحديثة للتريتيوم في مياه الأمطار. يشير الرمز TU إلى مستوى النشاط الإشعاعي للتريتيوم معبَّراً عنه بوحدات التريتيوم. (الرسم البياني: الوكالة)

رسم خرائط التريتيوم العالية الدقة

يؤدي التريتيوم، وهو نظير مشع للهيدروجين موجود في الماء ويبلغ عمره النصفي نحو 12,3 سنة، دورا قيّما في تحديد المياه الجوفية التي تكون حديثة التجدد وتقييم تعرضها للتلوث. ويمكن للباحثين، من خلال رسم خرائط لمكان ظهور هذا الشكل القابل للتعقب من الهيدروجين في الأمطار والثلوج، اكتساب نظرة متعمِّقة لحركات المياه ومصادرها الحديثة. وباستخدام البيانات التي جمعت على مدى العقد الماضي، أعدّت الوكالة خرائط لتوزيع التريتيوم في مياه الأمطار من أجل تحسين عملية أخذ العينات، وتحديد الفجوات في البيانات الجوية، ودعم البحوث المتعلقة بتقييم هشاشة مستودعات المياه الجوفية.

ويستخدم العلماء الخرائط لمقارنة مستويات التريتيوم في مياه الأمطار والمياه الجوفية لفهم مدى سرعة وصول مياه الأمطار إلى مستودعات المياه الجوفية وتفاعلها معها. وعندما تكاد تتطابق كمية التريتيوم في المياه الجوفية مع الكمية التي تحملها الأمطار، فإن ذلك قد يدل على تجدّدها السريع، بمعنى أن مستودعات المياه الجوفية مزودة بإمدادات جيدة ولكنها معرضة للتلوث كذلك، لأن الملوثات يمكن أن تتبع نفس المسار بسهولة. وعندما تحتوي المياه الجوفية على نسبة تريتيوم أقل بكثير مما تحمله الأمطار المحلية، فإن ذلك قد يشير إلى أنه تم تخزين المياه بأمان تحت الأرض وتمت حمايتها من التلوث لعقود أو أكثر.

قياس طيف أكسيد النيتروز بالليزر

قياس طيف أكسيد النيتروز بالليزر هي تقنية جديدة توفر قياسات عالية الدقة للنظائر المتعلقة بدورة النيتروجين (حركة النيتروجين بين الهواء والتربة والماء والكائنات الحية)، التي يمكن استخدامها لتتبع مصادر التلوث. وبالنظر إلى أنّ مصادر النيتروجين المختلفة (مثل حرق الوقود الأحفوري والانبعاثات الزراعية والعمليات الطبيعية) تحمل بصمات نظيرية متميزة، يمكن للعلماء تحديد مصادر التلوث البشرية ومصادر التلوث الطبيعية والتمييز بينها. ففي الهند، على سبيل المثال، حيث تضاعف استخدام الأسمدة ثلاث مرات خلال 30 عاما، استخدم علماء الوكالة هذه التقنية لدراسة تأثير الزراعة على نظم المياه. وأظهرت النتائج التي توصلو إليها أن التلوث بالنترات يرتفع خلال فترة الرياح الموسمية عندما تقود الأمطار الغزيرة الأسمدة إلى الأنهار والبحيرات، مما يؤدي إلى تدهور جودة المياه. ومن خلال تعقب النظائر، يمكن للعلماء تحديد مصادر هذا التلوث، مما قد يشجع المزارعين والحكومات على اعتماد ممارسات أنظف لتحسين جودة الماء والهواء على حد سواء.

وفي ظل استمرار تقدم القدرات التكنولوجية وأساليب جمع البيانات، تستكشف الوكالة بشكل استباقي أدوات ونهج جديدة لتحليل بيانات المياه دعماً لاستراتيجيات الإدارة المستدامة للمياه. وقال السيد ستيفان تيرزر-واسموث، الخبير في البيانات الجغرافية المكانية في الوكالة: "لا يُتيح لنا الجمع بين التكنولوجيا المتطورة وعقود من بيانات المياه التي جُمعت في كافة أنحاء العالم، دراسة المياه فقط، بل يُتيح أيضا تمكين البلدان من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن أثمن مواردها."