لا تزال القوى النووية في نظر العديد من البلدان خياراً مهمًّا لتعزيز أمن الطاقة والتخفيف من آثار الاحترار العالمي وتلوث الهواء، بيد أنَّ هناك حاجة إلى نمو كبير في استخدامها حتى يتسنى للعالم أن يحقِّق أهدافه فيما يتعلق بالمناخ، وفقاً لمؤتمر دولي نظَّمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية واختتم أعماله في الإمارات العربية المتحدة اليوم.
وقال رئيس المؤتمر الوزاري الدولي بشأن القوى النووية في القرن الحادي والعشرين، السفير حمد الكعبي، في الكلمة الختامية التي ألقاها، إنَّ المشاركين في فعاليات المؤتمر الذي عُقد في أبوظبي هذا الأسبوع، والذين بلغ عددهم قرابة ٧٠٠ مشارك من ٧٨ دولة عضواً في الوكالة وخمس منظمات دولية، قد استمتعوا بالاستماع إلى طائفة واسعة من الآراء المتباينة.
وقال الكعبي، وهو الممثل الدائم للإمارات العربية المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، خلال الجلسة الختامية للمؤتمر التي حضرها المدير العام للوكالة السيد يوكيا أمانو: "مع احترام حقِّ كلِّ دولة في تحديد سياساتها الوطنية في مجال الطاقة، فقد أقرَّ المؤتمر بأنَّ القوى النووية لا تزال في نظر العديد من البلدان خياراً مهمًّا لتحسين أمن الطاقة والحدِّ من أثر التقلبات في أسعار الوقود الأحفوري والتخفيف من آثار تغيُّر المناخ وتلوث الهواء، بما في ذلك عن طريق توفير دعم احتياطي لمصادر الطاقة المتقطِّعة".
وأتاح المؤتمر الذي انعقد على مدى ثلاثة أيام محفلاً للحوار الرفيع المستوى بشأن دور القوى النووية في العقود المقبلة. ولا تتسبَّب القوى النووية خلال تشغيلها في انبعاث أيِّ قدرٍ يُذكر من غازات الدفيئة. وهي تُنتج ١١ في المائة من الكهرباء في العالم، وهو ما يصل إلى ثُلث مجموع الكهرباء المولَّدة من مصادر منخفضة الكربون. وأشار المشاركون إلى ارتباط نحو ٦.٥ ملايين حالة وفاة سنويًّا بتلوُّث الهواء، وسوف يشهد هذا العدد زيادة كبيرة في العقود المقبلة إن لم يُتَّخذ المزيد من الإجراءات للحدِّ من الانبعاثات وتوسيع نطاق الحصول إلى الطاقة المنخفضة الكربون.
وقال الكعبي، نقلاً عن الوكالة الدولية للطاقة، إنَّ الوفاء بالغايات المنصوص عليها في اتفاق باريس بشأن تغير المناخ "سوف يتطلَّب نمواً كبيراً في توليد الكهرباء من الطاقة النووية بحلول عام ٢٠٥٠".
وأضاف أنَّه في حين أنَّ الطاقة النووية سوف تؤدِّي دوراً رئيسيًّا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والحدِّ من انبعاثات غازات الدفيئة في العديد من البلدان، "فإنَّ المجال النووي لا يجتذب في الوقت الراهن الاستثمارات العالمية اللازمة" للحدِّ من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين على النحو الذي يتطلَّبه اتفاق باريس. وقال إنَّه "بالإضافة إلى ذلك، يجري إغلاق عدد من المحطات في بعض البلدان قبل انتهاء أعمارها التشغيلية المأمونة لأسباب سياسية واقتصادية على حدٍّ سواء".
وهذا المؤتمر هو الحدث الوزاري الرابع من نوعه بعد دورات سابقة في باريس في عام ٢٠٠٥، وبيجين في عام ٢٠٠٩، وسانت بطرسبرغ في عام ٢٠١٣. وقد نُظِّم المؤتمر بالتعاون مع وكالة الطاقة النووية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، واستضافته حكومة الإمارات العربية المتحدة من خلال وزارة الطاقة والهيئة الاتحادية للرقابة النووية.
وانخرط المشاركون من الوزراء وكبار المسؤولين في الدول الأعضاء في الوكالة في مناقشات بشأن مسائل منها استراتيجيات الطاقة في بلدانهم ورؤيتهم لدور الطاقة النووية والتحديات التي تواجه الأخذ بها ومواصلة تشغيلها والتوسُّع فيها. وبالإضافة إلى ذلك، عُقدت أربع جلسات نقاشية ضمَّت نخبة مختارة من المتكلِّمين من خلفيات متنوِّعة وتناولت مواضيع القوى النووية والتنمية المستدامة؛ والتحديات التي تواجه إرساء البنية الأساسية للقوى النووية؛ والأمان النووي والموثوقية؛ والابتكارات والتكنولوجيات النووية المتقدِّمة.
وقال الكعبي إنَّ المؤتمر شهد اتفاقاً واسع النطاق بين المشاركين حول مجالات رئيسية أخرى، بما في ذلك الحاجة إلى إيجاد بيئة مواتية لتيسير الأخذ بالقوى النووية وضمان أمانها واستدامتها؛ وأنَّ القوى النووية خيار مأمون وموثوق ونظيف في مجال الطاقة؛ وأنَّ "الابتكارات في تصميم التكنولوجيا — بما في ذلك حجم المفاعلات — وكذلك في نماذج الاستثمار والملكية يمكن أن تيسِّر الأخذ بالقوى النووية في مزيد من البلدان".
وأضاف السفير أنَّ المفاعلات النمطية الصغيرة التي يجري تطويرها في الوقت الراهن "يمكن أن تتيح توسيع نطاق استخدام القوى النووية — بما في ذلك استخدامها في الشبكات الكهربائية الصغيرة وفي البيئات النائية، وكذلك في التطبيقات غير الكهربائية — وأن تحسِّن إمكانية الحصول على الطاقة النووية".
وتكرَّر تسليط الضوء في المؤتمر على أهمية الثقة العامة لمستقبل القوى النووية. وقال الكعبي: "إنَّ اتِّخاذ القرارات بطريقة منفتحة وشفافة مع إشراك جميع الجهات صاحبة المصلحة يمكن أن يحسِّن التصوُّرات العامة عن القوى النووية وأن يؤدِّي إلى توسيع نطاق القبول العام".
وختاماً، أقرَّ المشاركون بالدور القيادي الذي تضطلع به الوكالة في الترويج لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية ودعم الجهود الرامية إلى تعزيز الأمان النووي والأمن النووي والضمانات على الصعيد العالمي.