ثمة صلة بين ما تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية والعديد من أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها السنة الماضية الجمعية العامة للأمم المتحدة، غير أن ثلاثة من تلك الأهداف، على وجه التحديد، تشدّد على مساهمة القوى النووية إزاء الطاقة نحو المستقبل: الهدف ٧ - الحصول على طاقة ميسورة التكلفة ونظيفة - سيركّز جهودنا نحو تحقيق التنمية المستدامة مع نمو سكان العالم وازدياد الطلب على الطاقة؛ الهدف ٩ - الصناعة والابتكار والبنية الأساسية - لا يمكن أن يتحقق دون حصول على كمية كافية من الطاقة؛ الهدف ١٤ - اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ - يحدّد أهدافاً لتحقيق طاقة نظيفة وصديقة للبيئة.
وتنتج القوى النووية قرابة ١١٪ من كهرباء العالم مع وجود ٤٥٠ مفاعلاً نووياً قيد التشغيل في ٣٠ بلداً. وتُظهر توقعاتنا أن الطاقة النووية ستظل تضطلع بدور رئيس في مزيج الطاقة في العالم لعقود قادمة. وفي حين أن استخدام القوى النووية في ازدياد فإن حصتها من مزيج الطاقة في العالم تتناقص، وتواجه تنافسيتها الاقتصادية تحديات. وقد تكون التكلفة الأولية لمحطات القوى النووية مرتفعة، غير أنها تتسم بالتنافسية عندما ننظر في تكلفة إنتاج الكهرباء على مدى عمر المحطة. وتنافسية أيٍّ من الخيارات النووية ذات صفة قُطرية إلى حد بعيد وتعتمد على عوامل عدة، مثل توافر الموارد الطبيعية.
وينظر عدد متزايد من الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يراود القلق العديد منها بشأن التغير المناخي وسبل تعزيز إمداداتها من الطاقة، في إدراج القوى النووية ضمن مزيج الطاقة الوطني أو توسيع استخدامها.
وتحفز الوكالة تطوير الطاقة النووية المستدامة من خلال دعم البرامج النووية، القائمة والجديدة، حول العالم، ومن خلال تقديم الدعم لتطوير التكنولوجيا النووية الجديدة. ونحن نساعد أيضاً الدول الأعضاء في بناء قدراتها المحلية في مجال تخطيط وتحليل الطاقة وأيضاً في مجال إدارة المعلومات والمعارف النووية، مع إرساء أُسس الأمان والأمن النوويين.
ويمكن أن يساعد الابتكار والتطورات التكنولوجية والنماذج الاقتصادية الجديدة في زيادة إسهام القوى النووية في مزيج الطاقة في العالم وفي التنمية المستدامة. وتتسم تصاميم المفاعلات النووية الجديدة بمزايا أمان معزَّزة ويمكن أن تعمل بكفاءة أفضل وأن تنتج نفايات أقل، أو حتى أن تستهلك تلك النفايات. والتطورات التي شهدتها دورة الوقود النووي يمكن أن تقلّل النفايات بشكل أكبر، ما يجعل القوى النووية أكثر استدامة. وتسهم الترتيبات الابتكارية على صعيد تخصيص الأموال والتمويل بين الحكومات والقطاع الخاص في تحقيق تطورات تكنولوجية وتساعد في التعامل بشكل أفضل مع التكلفة الاستثمارية المرتفعة اللازمة للبنية الأساسية للطاقة النووية وتشييد محطات القوى النووية.
وعند النظر في الانبعاثات على مدى دورة عمر توليد الطاقة الكهربائية باستخدام خيارات طاقة مختلفة، نجد أن القوى النووية، جنباً إلى جنب مع القوى المائية وطاقة الرياح، لا تقود إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) عند إنتاج الكهرباء وهي من بين أقل المسهمين في غاز الدفيئة. وعند أخذ دورة العمر ككل في الحسبان، نجد أن القوى النووية من بين أقل المتسببين في الانبعاثات مقارنة بتلك الناجمة عن موارد الطاقة المتجددة.
وللطاقة المتجددة مزايا عدة وهي نظيفة، غير أن مما يؤخذ عليها أنها تعتمد على هبوب الرياح أو سطوع أشعة الشمس. والقوى النووية مكمِّل مفيد في هذا الصدد: فبإمكانها أن تنتج الطاقة على نحو مستمر وبكفاءةٍ معظم أيام السنة، ليلَ نهار (تم تحقيق معدلات تتجاوز ٩٠٪ على نحو منتظم في بلدان عدة). كذلك يمكن نشرها على نطاق واسع، ما يجعلها تناسب بشكل أفضل متطلبات المدن والصناعة من الكهرباء. وبالتطلُّع إلى المستقبل، هناك نُظم طاقة هجينة مبتكرة قيد التطوير لتوفير القوى النووية مع الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء، أو للاستفادة من الحرارة المتأتية من المفاعلات النووية في تطبيقات أخرى، مثل تحلية مياه البحر.
المناخ والطاقة
القوى النووية، كتكنولوجيا منخفضة الكربون متاحة اليوم، يمكن أن تساعد البلدان في التغلب على تحدي الطاقة-المناخ الثنائي، على النحو المبين في اتفاق باريس.
ويدعو اتفاق باريس، الذي اتفق عليه ١٩٠ بلداً في عام ٢٠١٥ في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، الحكومات إلى الحد من زيادة درجة الحرارة المتوسطة العالمية إلى ما دون درجتين مئويتين من مستويات ما قبل الحقبة الصناعية. وينجم نحو ثلث انبعاثات غاز الدفيئة عن إنتاج الطاقة؛ لذا يتعين علينا أن نزيل الكربون من قطاع الطاقة من أجل السيطرة على الآثار الكارثية للاحترار العالمي.
ولدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجموعة شاملة من الأدوات لمساعدة الدول الأعضاء في فهم تحدي الطاقة-المناخ والتصدي له بشكل أفضل، وأيضاً في إطلاق برامج قوى نووية. وتنصبُّ جهودنا على تقديم تقييمات وقائعية للقوى النووية. ونحن نساعد متخذي القرار في النظر في جميع خيارات تكنولوجيا إنتاج الطاقة. ونقدّم المساعدة في مجال التنفيذ المأمون والآمن والمستدام لبرامج القوى النووية في حال طلبت منا دولة عضو تلك المساعدة وعندما تطلب ذلك.
ويمكن أن تواصل القوى النووية دورها في تعزيز التنمية المستدامة من خلال توفير الطاقة اللازمة للأعداد المتزايدة من السكان ولمجتمع ماضٍ في التصنيع. ويمكنها أن تحقق ما سبق بتأثير أصغر على المناخ والبيئة عند المقارنة بمعظم أشكال الطاقة.