تُعدُّ التقنيات المستمدة من المجال النووي تقنيات راسخة باعتبارها أداة تشخيصية هامة تُحدَّدُ من خلالها على نحو سريع وموثوق العديد من الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر، مثل مرض فيروس الإيبولا، وإنفلونزا الطيور عالية الإمراض، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وغيرها من الأمراض. وعلى الرغم من أنّ التركيز هذه الأيام منصب على مرض كوفيد-19، يتعيّن على السلطات أن تظل كذلك متيقظة بشأن الأمراض الحيوانية المصدر الأخرى.
ومنذ اكتشافه في في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1976، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، سُجِّلت أكثر من 15.000 خسارة في الأرواح جراء مرض فيروس الإيبولا. ومنذ ذلك الحين، سُجِّلت خسائر في الأرواح جراء هذا الفيروس، في 13 بلداً أفريقياً بالأساس. ومنذ حالة التفشي الكبرى لهذا المرض التي سُجِّلت خلال الفترة 2014-2016 في غرب أفريقيا، عملت الوكالة بالشراكة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية على تقديم الدعم في مجال تشخيص الإيبولا في البلدان الأفريقية. وبفضل الزيادة التي شهدها عدد المسؤولين البيطريين القادرين الآن على تشخيص هذا المرض على نحو سريع وموثوق، أصبحت هذه البلدان مستعدة على نحو أفضل في مجال الكشف المبكر للحيلولة دون وقوع حالات تفش كبرى، كما أنها أحرزت تقدماً في مجال اقتفاء أثر الوبائيات الجزيئية لفيروس الإيبولا وغيره من الفيروسات التي تتسببُ في الحمى النزفية الفيروسية، وذلك بالاستعانة بأدوات علم الوراثة الجزيئي.
والإيبولا هو مرض حيواني المصدر فتاك يُعتقد أنّ منشأه هو خفافيش الفاكهة التي نقلت بدورها العدوى إلى حيوانات أخرى، قبل أن تنتقل العدوى إلى البشر. وكلما توسعت التجمعات البشرية نحو مناطق غير آهلة سابقاً، كلما زاد خطر احتكاك الأفراد بكائنات حاملة لأمراض حيوانية المصدر غير معروفة سابقاً. وقال السيد ميشيل وارناو، المسؤول عن أنشطة الدعم التقني التي تضطلع بها الوكالة في هذا المجال "وبالتالي، من الأهمية بمكان أن تكون جميع البلدان مستعدّةً في أقرب وقت ممكن للكشف عن الأمراض الحيوانية المصدر، ويُفضَّلُ أن يتم ذلك قبل انتقال العدوى إلى التجمعات البشرية، وأن تكون جميع البلدان مستعدّةً لاتخاذ إجراءات التصدي المناسبة في هذا الشأن،"
وخلال حالة تفشي الإيبولا التي سُجِّلت خلال الفترة 2014-2016، طالت العدوى أكثر من 30.000 شخصاً في سيراليون وليبيريا وغينيا. ومرت ثلاثة أشهر قبل أن يتسنى إجراء التشخيص في غينيا، أين بدأت حالة التفشي. وفَقَدَ أكثر من 2.500 شخص أرواحهم جراء الافتقار إلى القدرات والموارد التشخيصية. وفي نهاية عام 2014، طلبت حكومة غينيا وحكومات عدة بلدان أفريقية أخرى من الوكالة أن تُقدِّم لهم الدعم لكي تعزز هذه البلدان قدراتها في مجال تشخيص الإيبولا.
ومن خلال التقنيات المستمدة من المجال النووي من قبيل القياس المناعي الإنزيمي (اليزا) والاستنساخ العكسي في الوقت الحقيقي-التفاعل البوليميري المتسلسل (RT-PCR في الوقت الحقيقي) (انظر استخدام التقنيات المتصلة بالمجال النووي في تشخيص الأمراض)، يتمكن العلماء من تشخيص الإيبولا على نحو أسرع بكثير مقارنة بالأساليب التقليدية.
ومن خلال برنامجها للتعاون التقني، قدّمت الوكالة خبراء من أفريقيا المساعدة على استخدام هذه التقنيات. وقال السيد إيفانشو ناليتوسكي مسؤول صحة الحيوان في الشعبة المشتركة بين الفاو والوكالة لاستخدام التقنيات النووية في الأغذية والزراعة: "لقد دربنا 142 موظفاً محلياً على إجراء التشخيص المبكر للأمراض الحيوانية المصدر في ظل ظروف مناسبة فيما يتعلّق بالسلامة البيولوجية، وزودناهم بالمعدات والأطقم التشخيصية اللازمة لإجراء الاختبارات."
وقال السيد ناليتوسكي أيضاً "بما أنَّ الأمراض الحيوانية المصدر تصيب الحيوانات والبشر على حد سواء، كان من الضروري تدريب موظفين من شتى الخلفيات مثل البياطرة، وتقنيي الصحة العامة، وخبراء الأحياء البرية،" وإنّ العينات المأخوذة من أشخاص أو حيوانات تُحتمَلُ إصابتهم بالعدوى تُشكّل خطراً بيولوجياً كبيراً. وبالتالي، كان التعامل السليم مع عينات الإيبولا موضع تركيز كبير خلال بعض من الدورات التدريبية الـ17 التي نُظِّمت في 8 بلدان في إطار برنامج الوكالة للتعاون التقني.
وفي أفريقيا، يظل التهديد المتمثّل في تفشي العدوى على نطاق واسع أمراً قائماً. ولقدت أَوْدَتْ أحدثُ حالات تفشي الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية بحياةِ أكثر من 2.500 شخص منذ عام 2018. ورغم أنَّ حالات التفشي ظلت إلى حد الآن منحصرة بين حدود بلد بمفرده، فإنَّ هذا الأمر قد يتغيّر بسهولة – بما أنّ الأحياء البرية التي تعبر الحدود يمكن أن تكون حاملة لأمراض تُنقَلُ بدورها بين البلدان.