عندما عُيِّنتُ مديراً عاماً للوكالة في عام 2019، لم تكن الطاقة النووية من المواضيع المطروحة في أهم النقاشات العامة العالمية المتمحورة حول الطاقة والمناخ. والآن، بعد مرور خمس سنوات، يسود توافق عالمي في الآراء بشأن ضرورة تسريع وتيرة نشر القوى النووية لتحقيق الأهداف المتعلقة بتغير المناخ وأمن الطاقة.
وتطلَّب التوصل إلى توافق الآراء هذا وقتاً وجهداً. وفي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي عُقد في مدريد (مؤتمر المناخ COP25)، وهو أول مؤتمر حضرته بعد توليّ منصب المدير العام للوكالة بوقت قصير، كانت الطاقة النووية لا تزال بلا شك من المواضيع الهامشية. ولكن الشباب والسياسيين والعلماء وغيرهم ممَّن يؤمنون بقدرة الطاقة النووية على المساهمة في مكافحة التلوث وتغير المناخ وضمان أمن الطاقة كانوا يحدِثون تغييراً مباشراً وملموساً من خلال التعليم والأفلام الوثائقية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وعندما حلت أزمة الطاقة ووقع النزاع في أوروبا، كانت الطاقة النووية قد بدأت تزداد زخماً. وفي مؤتمر المناخ COP28 الذي عُقد في دبي في عام 2023، قام موقِّعو اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بخطوة غير مسبوقة حين دعوا في بيان الحصيلة العالمية لاتفاق باريس إلى تسريع وتيرة نشر القوى النووية إلى جنب مصادر الطاقة النظيفة الأخرى. وسلَّم قادة العالم بواقع كانت العلوم قد أبرزته منذ سنوات عدة، وهو أن الأخذ بالطاقة النووية يمثِّل السبيل الممكن الوحيد لإزالة الكربون جذرياً وبسرعة. ودعا أكثر من 20 بلداً إلى زيادة القدرة النووية بواقع ثلاث مرات على الصعيد العالمي. وانضمت عدة بلدان أخرى وشركات وبنوك دولية ومؤسسات مالية إلى هذا التعهد في وقت لاحق.
وفي عام 2024، استفاد قادة العالم من هذا الزخم في مؤتمر القمة الأول للطاقة النووية لتأكيد الدور الهام الذي تؤديه القوى النووية. ويبرِز ذلك تغيراً جوهرياً كان من المستحيل تحقيقه بلا إشراك الجهات المعنية.
وغالباً ما تعتبر البلدان أن التواصل الفعال مع الجهات المعنية هو من التحديات الرئيسية التي تواجهها عندما تستهل برنامجاً للقوى النووية أو حين تضطلع بأنشطة ذات صلة بالقوى النووية مثل تعدين اليورانيوم. وإيجاد الوعي والفهم في صفوف الجهات المعنية، سواء أكانت من القطاع النووي، أو الحكومات، أو وسائل الإعلام، أو المجتمعات المحلية، أو المنظمات غير الحكومية، هو أمر أساسي لبناء الثقة المتبادلة.
وتُعَدُّ الجهات المسؤولة عن بت مسألة الاستثمار في القطاع النووي من الجهات المعنية الرئيسية. وهي تشمل متخذي القرارات وأصحاب النفوذ في دوائر الخزانة العامة والمؤسسات المالية والإنمائية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي، وبنوك التنمية الإقليمية، فضلاً عن البنوك الاستثمارية وشركات التأمين.
والخطوة الأولى في عملية إعداد وتنفيذ برامج تكفل إشراك الجهات المعنية على نحو مجدٍ وفعال هي التعريف بسياسات الطاقة وتعزيز فهم الجهات المعنية لأهمية القوى النووية. ويتحقق ذلك في اجتماعات مجالس إدارة البنوك وشركات التأمين وفي التجمعات العامة التي تُنظَّم في المدن والبلدات والقرى في جميع أنحاء العالم.
وفي أيار/مايو، ستجمع الوكالة فئات مختلفة من الجهات المعنية لحضور المؤتمر الدولي الأول المعني بإشراك الجهات المعنية في برامج القوى النووية، بما يشمل العشرات من رؤساء البلدات والمدن التي تستضيف محطات للقوى النووية أو غيرها من المنشآت النووية الكبيرة المستخدمة لأغراض عدة مثل إعادة المعالجة أو تخزين النفايات. فمَن أقدر من أفراد المجتمعات المحلية المضيفة لمرافق نووية على شرح تأثير القوى النووية؟
وإشراك الجهات المعنية أساسي لإنتاج أي شيء يُراد أن تكون له قيمة دائمة، بما في ذلك محطات القوى الجديدة التي ستنتج الكهرباء النظيفة أو الحرارة المستخدمة للتدفئة أو التبريد أو الهيدروجين لمدة قرن من الزمن، أو المستودعات التي سيُخزن فيها الوقود المستهلك في أعماق الأرض لآلاف من القرون.
ولكن ذلك يتطلَّب وقتاً وصبراً. وعلى الرغم مما أُحرزَ من تقدُّم في الآونة الأخيرة، لا يزال استهلال برامج القوى النووية يقترن بصعوبات جمة في أماكن عديدة. وفي حين يوجَد في العالم الآن نحو 60 مفاعلاً قيد التشييد، فإن معظم هذه المفاعلات يقع في عدد محدود من البلدان.
وباتت التطلعات المقترنة بالقوى النووية اليوم أعلى مما كانت عليه منذ عقود. وتحويل هذه التطلعات إلى الزيادات الكبيرة في القدرة على إنتاج الطاقة النووية التي يلزم توافرها لتحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ وأمن الطاقة هو جهد يتطلَّب التزاماً ثابتاً. وجزء أساسي من الجواب واضح وجلي: لا بد لنا من الاستمرار في إشراك الجهات المعنية التي نتعاون معها.