وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم شراء ما لا يقل عن مليون زجاجة بلاستيكية كل دقيقة في جميع أنحاء العالم، بينما يتم بيع تسعة ملايين كيس بلاستيكي آخر كل ستين ثانية. ومع إنتاج أكثر من 400 مليون طن من النفايات البلاستيكية كل عام، أصبح التلوث بالمواد البلاستيكية أحد أكثر التحديات البيئية العالمية إلحاحاً اليوم وعقبة دائمة أمام التنمية المستدامة. ولا يظهر هذا التلوث دائماً بالعين المجردة لأن المادة البلاستيكية تتحلل مع مرور الوقت وتُمتَصُّ بواسطة النظم الإيكولوجية ومن خلال السلسلة الغذائية.
وكشفت دراسة أجرتها الوكالة مؤخرا عن أدلة تثبت أن التلوث بالمواد البلاستيكية يمكن العثور عليه حتى في المناطق الأحيائية النائية في أنتاركتيكا. وباستخدام التقنيات النووية والتقنيات المستمدة من المجال النووي، تمكنت الوكالة من الكشف عن مواد بلاستيكية دقيقة بأحجام أصغر مما كان يمكن قياسه سابقا باستخدام الأساليب التقليدية.
وقال المدير العام للوكالة رافائيل ماريانو غروسي عند إطلاق المشروع: "لقد بدأنا حملة علمية تهدف إلى تحديد البعد الحقيقي لمشكلة التلوث بالمواد البلاستيكية الدقيقة، التي تؤثر في العالم بأسره وفي بيئة أنتاركتيكا البكر".
وتجمع الوكالة، في إطار مبادرتها بشأن استخدام التكنولوجيا النووية لمكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية (نيوتيك للمواد البلاستيكية)، بين البلدان والشركاء والتكنولوجيات الجديدة للتصدي للتلوث العالمي بالمواد البلاستيكية. ويمثل الرصد البحري ركيزة أساسية للمبادرة، وفي كانون الثاني/يناير 2024، أطلقت الوكالة بعثة بحث علمي إلى أنتاركتيكا في إطار مبادرة لاستقصاء وقياس حجم التلوث بالمواد البلاستيكية في منطقة أنتاركتيكا النائية.
وقالت وزيرة الخارجية الأرجنتينية ديانا موندينو في المؤتمر العام للوكالة في أيلول/سبتمبر: "هناك اهتمام متزايد بفهم تأثير المواد البلاستيكية والعناصر البلاستيكية الدقيقة في النظام البيئي في أنتاركتيكا". "ونعتقد أن NUTEC Portal (البوابة الإلكترونية المخصصة لمبادرة نيوتيك) ستكون أداة قيمة وفعالة لدعم جهود الوكالة الرامية إلى مواجهة التحديات المشتركة من خلال التطبيقات السلمية للطاقة النووية".
وزار خبراء الوكالة، برفقة فريق من العلماء الأرجنتينيين، ثلاثا من محطات البحوث البيئية الدائمة الست التي تديرها الأرجنتين - وهي قواعد مارامبيو وإسبيرانزا وكارليني - وكذلك كاسحة الجليد الأرجنتينية إيريزار بهدف استخدام هذه البنية الأساسية القائمة لدعم جمع العينات البيئية وإعدادها لاحقا لتحليلها في مختبرات البيئة البحرية التابعة للوكالة في موناكو.
وتشير النتائج الأولية المستمدة من تحليل الوكالة لمياه البحر ورمال الشاطئ والرخويات وبراز طيور البطريق في أنتاركتيكا إلى وجود مواد بلاستيكية دقيقة في جميع العينات. وكانت المواد البلاستيكية الدقيقة المكتشفة تشمل مجموعة متنوعة من البوليمرات، بما في ذلك الألياف والشظايا البلاستيكية، وأكثرها شيوعاً البولي تترافلورو إيثيلين (PTFE)، والكلوريد المتعدد الفاينيل (PVC)، والبولي بروبيلين، والبولي إيثيلين تيريفثاليت (PET).
وتشكِّل هذه الدراسة مساهمة مهمة في المجموعة المتزايدة من التحليلات العلمية التي تشير إلى وجود مواد بلاستيكية ونفايات مواد بلاستيكية دقيقة في التربة والمنتجات وعينات المياه والهواء في جميع أنحاء العالم. وبمجرد وضع الصيغة النهائية لنتائج بحوث الوكالة، سيتم تقاسمها مع اللجنة العلمية للبحوث الخاصة بأنتاركتيكا، وهي هيئة متخصصة تابعة لمجلس العلوم الدولي تقدم مشورة مستقلة لنظام معاهدة أنتاركتيكا، وللهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وبالإضافة إلى ذلك، سيستخدم التعاون التقني والعلمي مع المعهد الشيلي المعني ببحوث أنتاركتيكا قواعد أنتاركتيكا الشيلية لجمع العينات لتحليلها في مختبرات البيئة البحرية التابعة للوكالة في موناكو. وسيعزز هذه الأمر قدرات شيلي في مجال جمع العينات وتحليلها، وسيضع خط أساس لمستويات المواد البلاستيكية الدقيقة في إقليم أنتاركتيكا الشيلي. وستقدِّم الوكالة، من خلال مبادرتها "نيوتيك للمواد البلاستيكية"، المساعدة على تزويد المختبرات في 86 بلدا بالقدرات والموارد اللازمة لأخذ عينات من المواد البلاستيكية الدقيقة في البيئات البحرية والساحلية وتحديد خصائصها وتحليلها من خلال مشاريع التعاون التقني والمشاريع البحثية المنسقة.
وبما أن نسبة 10 في المائة فقط من المواد البلاستيكية يعاد تدويرها عالميا، فإنَّ الوكالة تبذل أيضا جهوداً إضافية للتركيز على أنشطة إعادة التدوير للأفضل المصممة لتمكين البلدان من استخدام الموارد المتجددة كبدائل للمواد النفطية وإعادة استخدام النفايات البلاستيكية قبل أن تؤدي إلى تلوث أوسع نطاقا. وتشارك 39 دولة حالياً في أنشطة إعادة التدوير من خلال مبادرة نيوتيك للمواد البلاستيكية. ويمكن استخدام التشعيع لمعالجة المواد البلاستيكية الموجودة وجعلها صالحة لإعادة استخدامها- مما يوسع إمكانات إعادة التدوير الحالية ويتيح إعادة استخدام أوسع وأعلى قيمة. وقد أُحرز تقدم كبير في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية، حيث طُبقت التكنولوجيا الإشعاعية المبتكرة بنجاح في الأرجنتين وإندونيسيا وماليزيا والفلبين. كما أقامت هذه البلدان الرائدة الأربعة أيضا شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص لإقرار التكنولوجيا واستهلال استراتيجيات لتوسيع نطاقها.
ومبادرة نيوتيك للمواد البلاستيكية هي مبادرة تمهِّد الطريق لمستقبل عالمي أنظف وأكثر استدامة. وسيكون التعاون المستمر بين الوكالة ودولها الأعضاء وشركائها الصناعيين والخبراء المتخصصين حاسما في النهوض بالتكنولوجيا وبناء القدرات لمواصلة تقييم التلوث بالمواد البلاستيكية والتصدي له. وتهدف الوكالة من خلال نهجها الاستشرافي وجهودها التعاونية في إطار مبادرة "نوتيك للمواد البلاستيكية" إلى جعل قوة التكنولوجيا النووية متاحة للتصدي لأحد أكثر التحديات البيئية إلحاحا في عصرنا.
___________________________________________________________________________________________________________________