ما هي الهيدرولوجيا النظيرية؟

تمثِّل المياه العذبة نحو ثلاثة في المائة من مياه كوكب الأرض. وهي المياه التي نشرب منها ونستخدمها للاستحمام ولري مزارعنا. 

وإلى جانب المياه التي نراها تتدفق في البحيرات والأنهار أو نجدها متجمدة في الأنهار الجليدية والقمم الجليدية، تكون معظم المياه العذبة التي توجد في طبقات المياه الجوفية خفية.  

وفي المنطقة العربية، أدى تزايد الضغط على موارد المياه السطحية إلى زيادة الاعتماد على المياه الجوفية، حيث يعتمد عليها أكثر من نصف البلدان العربية كمصدر رئيسي للمياه العذبة. ولذلك، نُفِّذ العديد من الخطط الاصطناعية لتجديد المياه - لا سيما بناء السدود واستخدام آبار الحقن - في جميع أنحاء البلدان العربية، بما في ذلك الأردن والإمارات العربية المتحدة وتونس وسوريا والعراق ولبنان والمغرب والمملكة العربية السعودية واليمن. وتهدف هذه المبادرات إلى معالجة الطلب المتزايد على المياه لأغراض إمدادات المياه المنزلية والري والاستخدام الصناعي، ولا سيما في سياق حالات الجفاف المتكررة وتفاقم ندرة المياه التي أدت إلى إجهاد موارد المياه الجوفية بشكل كبير.

وهنا يأتي دور الهيدرولوجيا النظيرية، وهي شكل من أشكال العلوم النووية، لتكشف عن قصة حياة المياه وتساعدنا على فهم الروابط القائمة بين هذه الموارد.  

واستنادا إلى البصمة النظيرية، يمكن للعلماء تحديد منشأ الموارد المائية وعمرها وجودتها ومعدل تجددها. 

يُمثِّل الوصول إلى مياه الشرب الموثوقة والمأمونة عاملا رئيسيا في تلبية احتياجات السكان الذين تتزايد أعدادهم أكثر فأكثر وفي الحفاظ على الصحة البشرية. وللمياه العذبة أيضاً أهمية بالغة في الانتاج المستدام للأغذية والطاقة، والصناعة وحماية البيئة.  

وتتجلى قيمة الهيدرولوجيا النظيرية في ما يشهده العالم من استنزاف للموارد المياه العذبة بوتيرة أسرع من وتيرة تجددها.

وكان هناك دعمٌ للتركيز على تعزيز تجديد المياه الجوفية من خلال مختلف مشاريع التعاون التقني الإقليمية والوطنية مثل المشروع RAS8103 بشأن "استخدام النظائر والتقنيات الجيوكيميائية في دراسة التجديد الاصطناعي للمياه الجوفية"، والمشروع UAE8003 بشأن "تقييم التجديد الاصطناعي للمياه الجوفية". وأثبتت هذه المشاريع أن التقنيات النظيرية والجيوكيميائية أدوات قيِّمة لتقييم كفاءة واستدامة ممارسات التجديد الاصطناعي للمياه. 

تشكل حماية الموارد المائية هدفا مهما لجميع البلدان، خاصة ونحن نرى أنَّ تأثيرات تغير المناخ أصبحت أكثر تجليا. 

وتوضح السيدة جودي ميلر، رئيسة قسم الهيدرولوجيا النظيرية في الوكالة قائلة "إنَّ الهيدرولوجيا النظيرية أداة مفيدة بالفعل لمساعدة البلدان على القيام بذلك لأنها تعطينا بصمة جزيء الماء". 

وتسترسل بالقول: “فعندما تكون لدينا هذه البصمة، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل كيفية تنقل المياه بين موارد المياه المختلفة. ومثال ذلك، انتقال المياه بين الأنهار والبحيرات، وبين المياه السطحية والمياه الجوفية.  

وتضيف قائلةً: "تلزمنا معرفة كمية المياه الموجودة ومكانها ومصدرها حتى نتمكَّن من اتخاذ خطوات لحماية المسارات التي تنتقل عبرها من مورد مائي إلى آخر." 

مثل كل ما نراه في العالم، تمثل النظائر نوعا من أنواع الذرات، وهي أصغر وحدة للمادة تحتفظ بجميع الخصائص الكيميائية لعنصر ما. والنظائر هي أشكال من عنصر كيميائي له خصائص محددة. 

ويمكنكم الاطلاع على مختلف العناصر الكيميائية في الجدول الدوري. 

ويتميز كل عنصر  بعدد  البروتونات والنيوترونات والإلكترونات التي يمتلكها. وتحتوي ذرات كل عنصر كيميائي على عدد محدد من البروتونات والإلكترونات، ولكن - والأهم - أنَّ ذلك لا ينطبق على النيوترونات، إذ يمكن أن تختلف أعدادها. 

وتعرف الذرات التي لها نفس عدد البروتونات ولكن لها أعداد مختلفة من النيوترونات باسم النظائر. وتشترك في نفس الخصائص الكيميائية تقريبا، لكنها تختلف في الكتلة وبالتالي في الخصائص الفيزيائية.  

فهناك نظائر مستقرة لا تنبعث منها إشعاعات، وهناك نظائر غير مستقرة تنبعث منها إشعاعات. وتسمى هذه الأخيرة النظائر المشعة. 

اطلعوا على المزيد بشأن النظائر هنا.

يوضح السيد بوب كالين، أستاذ الهندسة البيئية للاستدامة في جامعة ستراثكلايد بغلاسكو، اسكتلندا، قائلاً: "تتغير النظائر المستقرة بسبب العمليات الفيزيائية التي تحدث في الطبيعة. فعلى سبيل المثال، يؤدي تبخر مياه البحر نحو السحب إلى تغيير النظائر المستقرة. 

ويضيف قائلاً: "ولذلك، إذا كنا نحاول معرفة من أين أتى شيء ما، كأن يكون قد جاء من المحيط، ليسقط مع الأمطار على قمة جبل ويصل إلى النهر، يمكننا استخدام النظائر المستقرة. ولكننا لا نعرف كم من الوقت يستغرق قطع كل تلك المراحل. وهنا يأتي بالفعل دور النظائر المشعة في أفضل تطبيقاتها إذ إنها تعطينا، من خلال اضمحلالها الطبيعي بمرور الوقت، مؤشرا على الزمن. 

ويسترسل بالقول: "كم من الوقت استغرق جريان الماء من أعلى الجبل للوصول إلى بئري؟ هذا أمر يمكن للنظائر المشعة أن تخبرنا به. ويمكننا أن ننظر إلى مياه قديمة جدا لنتوصل إلى عمرها باستخدام الاضمحلال الإشعاعي". 

يوضح الأستاذ بالقول "إنَّ هناك بعض الأماكن في العالم لم تصل فيها المياه إلى جوف الأرض منذ آلاف السنين". ويضيف قائلاً: "إنَّ المياه مثل أي مادة خام أخرى - هي غير متجددة. 

ويفيد قائلاً: "وبالتالي، إذا بدأنا في ضخ الكثير من المياه الجوفية القديمة من الأرض التي لن تعود إلى جوفها، فإننا نقوم بالأساس بإفراغ رصيد المياه الموجودة تحت الأرض. 

ويسترسل قائلاً: "لذلك، يمكننا فهم سرعة دخول المياه إلى الأرض، وسرعة حركتها، ومعرفة إجمالي قدرة تخزينها وعمرها، من تحديد رصيد المياه الموجودو ومن ثم إدارة موارد المياه بشكل أكثر فعالية." 

يقول الأستاذ "كل جزيء ماء له بصمة. ويتحرك الماء من خلال العديد من الأشكال المختلفة. فقد يكون جليدا أوثلجا. وقد يكون مطرا أو بخارا."  

ويسترسل بالقول: "يبدأ جزيء الماء ببصمة واحدة في شكل مياه المحيط، وبصمة مختلفة في شكل بخار بمجرد تبخره، وبصمة مختلفة عندما يسقط لأول مرة على الأرض، ثم ينتهي المطاف بالبخار المتبقي ببصمة مختلفة عند هطول الأمطار على قمة الجبل.  

ويضيق قائلا: "ويمكن أن تنتهي كل واحدة من هذه العمليات بتغير نسبة النظير الثقيل إلى النظير الخفيف. ولذلك سيكون لكل عملية من هذه العمليات بصمتها الفريدة، لكن البصمة العامة لتلك الحركة هو شيء يمكننا النظر إليه على مستوى القارات وجميع أنحاء العالم ". 

تضطلع الوكالة بتعزيز ونقل الدراية بشأن استخدام الهيدرولوجيا النظيرية كأداة فعالة للإدارة المستدامة للمياه. وتقدم المساعدة والتدريب في مجال الخدمات التحليلية عن طريق مختبر الهيدرولوجيا النظيرية التابع لها. 

وتقود الوكالة أيضا الجهود الرامية إلى زيادة التعاون في مجال المياه من خلال شبكتها العالمية لمختبرات تحليل المياه (شبكة GloWAL). 

وثمة جزء رئيسي آخر من اللغز، وفقا للسيدة جودي ميلر من الوكالة، هو الرصد: فتقول "من اللازم أن تقوموا بالرصد، فبدونه ليس بإمكانكم إدارة شيء ما. ولدينا في الوكالة برنامج لرصد هطول الأمطار نسميه الشبكة العالمية لاستخدام النظائر في دراسة الأمطار. 

وتضيف قائلةً: "وهو يعمل منذ عام 1960 ويساعدنا على فهم كيفية تغير أنماط هطول الأمطار وكيفية تنقل المياه عبر أنواع مختلفة من أحداث هطول الأمطار إلى نظام المياه الجوفية. ولذلك فإن فهم المقاييس الزمنية لتدفق المياه الجوفية أمر ضروري بالفعل لفهم ما إذا كنا نضخ المياه الجوفية بمعدل لا يُتيح تجددها". 

الاقتباسات الواردة في هذه المقالة مستمدة من مدونة صوتية عن هذا الموضوع: شرح المواضيع النووية- ما هي الهيدرولوجيا النظيرية؟ استمعوا إلى المقابلات الكاملة وغيرها عن نفس الموضوع هنا.