You are here

مكافحة المعلومات النووية الخاطئة

ما هي أكثر الوسائل فعالية ولماذا؟

Zion Lights

الشعارات التي تنطبع في الذاكرة، وإن كانت مضللة، يمكن أن تكون أكثر فعالية في تشكيل الآراء مقارنة بالحقائق المدقَّقة. (الرسم التوضيحي: أدريان باربر هيوسكار، الوكالة)

السيدة زيون لايتس هي ناشطة في مجال التواصل العلمي تعيش في المملكة المتحدة، وهي حائزة على جوائز في هذا المجال واشتُهرت بالترويج للطاقة النظيفة، لا سيما الطاقة النووية. وفي هذه المقابلة مع الوكالة، تتناول السيدة لايتس موضوع نشر المعلومات الخاطئة والمضللة بشأن الطاقة النووية.

لا شك في أنَّ نشر المعلومات الخاطئة والمضللة موجود بشكل أو بآخر منذ زمن بعيد. فما الذي يجعل الوضع مختلفاً اليوم؟

يحفل التاريخ بأمثلة كثيرة للتضليل بقصد الخداع، من سعي الأباطرة الرومان لتشكيل التصورات العامة بالكتابة المنقوشة على العملات المعدنية إلى الدعاية النازية باستخدام الراديو والسينما. وقد رأينا جميعاً الأضرار التي يتسبب فيها نشر المعلومات الخاطئة، والذي تعرفه الأمم المتحدة بأنه الانتشار غير المتعمد لمعلومات غير دقيقة بسبب تقاسمها بحسن نية من جانب أشخاص لا يدركون أنهم ينقلون الأكاذيب.  

والفرق الأكبر اليوم هو وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تنشر المعلومات الكاذبة على نطاق عالمي وفي نفس اللحظة. وقد صارت وسائل التواصل الاجتماعي منصة رئيسية لإذاعة الأخبار، ومن ثم أعادت تشكيل الكيفية التي تصلنا بها المعلومات والتي تحوز بها على ثقتنا.   وحتى يمكن أن نتصدى لهذه الظاهرة، لابد لنا من فهم ما يجعلنا عرضة للمعلومات الخاطئة.

ما الذي يجعل الناس عرضة للمعلومات الخاطئة؟

هناك ما لا يقل عن 188 من التحيزات المعرفية التي حُدِّدت بوصفها عوامل تؤثر في تصورات الناس. وهذه التحيزات تشكلها التجارب والعواطف السابقة وتعمل وكأنها طرق ذهنية مختصرة لتسهل علينا معالجة المعلومات.  بيد أنها كثيراً ما تتعزز معتقداتنا القائمة، مما يقودنا إلى قبول الأكاذيب واعتبارها حقائق.

هل يمكنك إعطاء أمثلة على هذه التحيزات المعرفية؟

تشمل أمثلة التحيز المعرفي ما يلي:

تحيز التوكيد: البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتنا.

تحيز الارتساء: الاستناد بقدر أكبر من اللازم إلى المعلومات المقدمة أولاً.

تحيز التوافر: تصديق ما يسهل تذكره.

تحيز الألفة: قبول صحة المعلومات لأننا نسمعها كثيراً.

ما الذي يسهم أيضاً في نشر المعلومات الخاطئة؟

التكرار يعزز نشر المعلومات الخاطئة. وكلما تكررت الأكاذيب بدت أكثر مصداقية. وفي علم النفس، يعرف هذا باسم الخلط بين "الطلاقة والصدق"، ويجعل تذكُّر أي كذبة أسهل من تذكُّر المعلومات العلمية المعقدة. ويؤدي التأطير دوراً مهماً أيضاً. فمعارضو الطاقة النووية يثيرون المخاوف بشأن النفايات النووية منذ عقود. والشعارات التي تنطبع في الذاكرة، وإن كانت مضللة، يمكن أن تكون أكثر فعالية في تشكيل الآراء مقارنة بالحقائق المدقَّقة.

كيف تتعاملين مع المعلومات النووية الخاطئة في عملك؟

أستخدم عبارات موجزة وجذابة مثل "النفايات ليست مهملات إلا إذا أهملناها" و"لاحظوا أن نفايات الوقود الأحفوري تُخزن في الغلاف الجوي للأرض". وتتسم هذه الشعارات بالدقة و"الإلحاح" في الوقت نفسه، وتحظى بالانتشار على نطاق واسع.

وفي البداية، قاوم بعض العلماء استعمال هذه الشعارات، مفضلين الأوراق العلمية على الرسائل البسيطة. بيد أن الشعارات تكون فعالة حين تنطلق من الحقيقة.  فعبارات مثل "الطاقة النووية تنقذ الأرواح" و"الطاقة النووية طاقة نظيفة" تسهم في تغيير وجهات النظر.

لماذا لا تكفي الحقائق وحدها لتغيير الآراء؟

التواصل العلمي مجال عمل مستقل، لكن العديد من العلماء غير مدربين عليه. ونتيجة لذلك، فإنهم كثيراً ما يعتمدون على نهج قديم يُعرف باسم "نموذج نقص المعلومات" ويقوم على افتراض مفاده أن توفير مزيد من الحقائق سيؤدي إلى تغيير الآراء. لكن المعتقدات تشكلها عوامل معرفية واجتماعية وعاطفية. والاقتصار على توفير مزيد من البيانات كثيراً ما يكون بلا جدوى.

ما هو التحصُّن المسبق وكيف يساعد في مواجهة المعلومات الخاطئة؟

التحصُّن المسبق هو أحد أساليب مواجهة المعلومات الخاطئة. ويمكننا أن ننظر إليه على أنه "لقاح معرفي" ضد الدعاية الكاذبة. وكان أول من اقترحه عالم النفس ويليام جيه ماغواير (William J. McGuire) في ستينات القرن العشرين. وطرح ماغواير فرضية مفادها أن الناس يمكن أن يتعلموا اكتشاف الدعاية الكاذبة إذا حُذِّروا منها مسبقاً من خلال هذا الأسلوب المعروف باسم "التحصُّن المسبق". وهذا الأسلوب ناجع إلى حد كبير، مع مراعاة التنبيه إلى بعض المحاذير.

وينطوي التحصُّن المسبق على تقديم معلومات واقعية صحيحة مصحوبة بتصحيح وقائي للمعلومات الخاطئة أو تحذير عام منها قبل أن يتعرض الشخص للمعلومات الخاطئة من الأصل.  ويتطلب ذلك التفكير في الاعتراضات التي قد تُثار على المعلومات الواقعية الصحيحة من أجل التقليل من فعالية الرسائل المضادة.

كيف تعمل الأساليب الأكثر تقدماً مثل نظرية التلقيح؟

تستخدم الأنواع الأكثر تقدماً من أساليب التحصُّن المسبق "نظرية التلقيح"، حيث يُعرَّض الناس لأشكال أضعف من الإقناع، مما يمكنهم من فهم كيفية استخدام تقنيات الإقناع المضللة وتكوين مناعة ضد الحجج الأكثر إقناعاً باستخدام التفكير النقدي. وقد ثبت أن هذا الأسلوب يزيد من إمكانية الكشف الدقيق عن المعلومات الخاطئة. ويؤدي فهم كيفية استخدام تقنيات الإقناع المضللة إلى تمكين الشخص من تطوير الأدوات المعرفية اللازمة لدرء هجمات المعلومات الخاطئة في المستقبل، وخلصت البحوث أيضاً إلى أن هذا التلقيح في سياق أحد المواضيع يمكن أن يساعد الناس على اكتشاف المعلومات الخاطئة في مجالات أخرى أيضاً.

ما الدور الذي يؤديه التعليم في تعزيز مقاومة المعلومات الخاطئة؟

التعليم يمكن وينبغي أن يؤدي دوراً مهماً في هذا الصدد.  ولمواجهة النزوع إلى تصديق الأخبار المزيفة، يجب دمج محو الأمية المعلوماتية والإعلامية في التعليم. ويساعد محو الأمية المعلوماتية الناس على تقييم المعلومات بفعالية. ويساعدهم محو الأمية الإعلامية على التنقل بين المنصات والمصادر.

هل سبق لك شخصياً أن غيَّرتِ رأيكِ بسبب توافر معلومات أفضل؟

لقد تأثرنا جميعاً بالمعلومات الخاطئة في مرحلة ما، وسنظل عرضة لذلك.  وقد استغرق الأمر مني سنوات عديدة لتغيير وجهة نظري بشأن الطاقة النووية، والتحول من المعارضة إلى الدعم من خلال التعرض لمصادر أفضل ووجهات نظر مختلفة. ومواجهة المعلومات الخاطئة تتطلب الصبر والمثابرة. ويتوقف الأمر على التفاعل مع الناس بطريقة سليمة حرصاً على تكوين فهم أكثر تعمقاً.  فما من إنسان إلا وعنده ما يقدمه.  

٢٠٢٥/٠٥
Vol. 66-2

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية