العمل يداً بيد للتخلص من الوقود المستهلك
رؤى وأفكار من كندا
Matthew Fisher

موظف من الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية يتحدث إلى أفراد من الجمهور خلال فعالية "الاستكشاف النووي في شمال غرب أونتاريو" التي نُظِّمت في إينياس في عام 2023. (الصورة من: الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية)
بعد نحو 15 عاماً من العمل، أعلنت الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية في كندا (NWMO)، في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أنه تم اختيار منطقة شعب أوجيبوي الأصلي في بحيرة وابيغون-إينياس، في شمال غرب أونتاريو، لتكون المنطقة التي ستستضيف المستودع الجيولوجي العميق للتخلص من الوقود النووي المستهلك في كندا. وكان هذا الإنجاز الكبير الذي سيضمن استدامة القوى النووية في كندا نتيجة عملية شفافة وقائمة على الحوار تمحورت حول احتياجات المجتمعات المحلية المضيفة المحتملة البالغ عددها 22 مجتمعاً محلياً وشواغلها.
وتقع المستودعات الجيولوجية العميقة المستخدمة للتخلص النهائي من الوقود النووي المستهلك على عمق مئات الأمتار تحت سطح الأرض. ويُستند إلى تقييمات تقنية شاملة لتحديد المواقع التي يُحتمل أن تكون مناسبة لاحتوائها على تشكيلات صخرية كبيرة تم التحقق من أنها ستبقى في حالة مستقرة لعدة آلاف من السنين، أو حتى لملايين السنين. ويقع أول مستودع جيولوجي عميق في العالم للتخلص من الوقود النووي المستهلك في أونكالو، بفنلندا، وقد وصفه المدير العام للوكالة رافائيل ماريانو غروسي بأنه يمثِّل "نقطة تحوُّل". ومن المتوقع أن تبدأ العمليات في المستودع خلال عام 2026 بعد أعمال تشييد دامت نحو عقدين من الزمن.
وقالت نورا زكريا، رئيسة قسم تكنولوجيا النفايات في الوكالة، إن "التصرف في الوقود المستهلك، سواء بإعادة تدويره أو باتخاذ تدابير مؤقتة تؤدي في نهاية المطاف إلى التخلص منه نهائياً، هو أمر بالغ الأهمية لنجاح أي برنامج للقوى النووية". وأضافت: "تتوافر منذ عقود حلول تقنية للتصرف في الوقود المستهلك والنفايات المشعة، والتعاون الدولي هو ما يدفع عجلة التقدم في مجال التخلص الجيولوجي. والتواصل الواضح والحوار الشامل عاملان لهما أهمية حيوية في تطبيق تلك الحلول".
وتُعَدُّ استضافة مرفق نووي من أي نوع التزاماً طويل الأجل يتطلَّب موافقة جميع الجهات المعنية، بما فيها أفراد المجتمعات المحلية والحكومات المحلية والمشرعون، ويستلزم مشاركة نشطة من جانب تلك الجهات. وشملت المنهجية التي اتَّبعتها كندا لاختيار موقع مستودعها الجيولوجي العميق الاضطلاع بتقييمات تقنية لتحديد مدى ملاءمة الموقع وإجراء حوار مفتوح في موازاة ذلك مع جميع المجتمعات المحلية المضيفة المحتملة. وقد أُعِدَّت هذه العملية بعناية ليكون المستودع مستودعاً مأموناً وآمناً يوافق المجتمع المحلي على استضافته بناءً على قرار مستنير، ويرتكز عمله على معايير تقنية وأخلاقية صارمة.
وقالت كيم بيغري، رئيسة بلدية إينياس: "على مدى فترة العقد ونصف العقد الماضية، تعاون مجتمعنا المحلي الفخور تعاوناً وثيقاً مع الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية والجهات المعنية الإقليمية التي تتعامل معها، والأهم مع سكان بلدة إينياس، لاكتساب المعارف والمعلومات، والسفر لزيارة مواقع نووية أخرى، والتحاور مع المجتمعات المحلية الأخرى المضيفة لمرافق نووية، وحضور المؤتمرات والاجتماعات، حرصاً على اتخاذنا قراراً مستنيراً".
وذكر جو هيل، نائب رئيسة الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية المعني بالعلاقات بين الشعوب الأصلية والبلديات والنقل: "يُعَدُّ التواصل مع الأمم الأولى والبلديات في شمال غرب أونتاريو جزءاً مهماً من عملنا". وأضاف: "كرَّسنا عشر سنوات للتحدث إلى المجموعات المعنية والتأكد من فهمها لمسألة أمان شحن الوقود النووي المستهلك في كندا وأمان خزنه فهماً جيداً. وأدى ذلك إلى إعلانين تاريخيين في أواخر عام 2024، حين صوَّت كل من بلدية إينياس وشعب أوجيبوي الأصلي في بحيرة وابيغون لصالح المضي قدماً في عملية اختيار الموقع ليصبحا المجتمعين المحليين المضيفين للمستودع الجيولوجي العميق في كندا". وتابع قائلاً إنه سيتعين استكمال عمليات مفصَّلة لتقييم الأثر والتقييم البيئي، بما يشمل التقييمات التي أعدَّها شعب أوجيبوي الأصلي في بحيرة وابيغون، كي يتسنى تنفيذ المشروع من دون أن يكون له أي أثر ضار في الناس أو البيئة.
وعند تحديد متطلبات الموقع، روعيت شواغل السكان المحليين بشأن الإشراف البيئي وسلامة البيئة واحترام المناطق المحمية. وشملت هذه الشواغل توافر ما يكفي من الأراضي لجميع المرافق القائمة فوق سطح الأرض وتحته؛ واختيار مكان خارج المناطق المحمية والمواقع التراثية والمتنزهات الإقليمية والوطنية؛ وتجنب تلويث موارد المياه الجوفية التي يمكن استخدامها للاستهلاك البشري أو الزراعة؛ وخلو الموقع من موارد طبيعية ذات قيمة اقتصادية؛ وعدم وجود أي سمات جيولوجية أو هيدروجيولوجية يمكن أن تشكِّل خطراً على صعيد الأمان.
ويوجَد اليوم في كندا أكثر من 600 مجتمع محلي تابع للأمم الأولى، ولكل من هذه المجتمعات ثروة هائلة من المعارف أقرت الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية بأنها أساسية في عملية اختيار الموقع. ومنذ البداية، حرصت الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية على أن يكون لمعتقدات المجتمعات المحلية التابعة للأمم الأولى ومفاهيمها الخاصة بالإشراف البيئي دور رئيسي في عملية اتخاذ القرارات. ووضعت الهيئة سياسة بشأن معارف الشعوب الأصلية لإثراء عملها ولتقديم إرشادات بالغة الأهمية. وتشدد هذه السياسة على أهمية معارف الشعوب الأصلية وجدواها في عملية اتخاذ القرارات، وعلى أهمية العلاقة الخاصة التي تربط المجتمعات المحلية التابعة للأمم الأولى بالبيئة الطبيعية. كما تسلط الضوء على الدعم الذي تقدِّمه الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية إلى مجلس المشايخ والشباب الاستشاري الذي أنشأته الهيئة في عام 2012 لتقديم الإرشادات بشأن تطبيق معارف الشعوب الأصلية على النهج الذي تتَّبعه كندا لأغراض الخزن الطويل الأجل للوقود المستهلك. وفي الفترة من عام 2005 إلى عام 2012، كان هناك فريق استشاري سابق عُرِف باسم "منتدى المشايخ".
وإدراكاً للديناميات الفريدة التي يتسم بها كل من المجتمعات المحلية المضيفة المحتملة، نشرت الهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية إطاراً للرفاه المجتمعي من أجل المساعدة على ضمان توافق مضمون المناقشات مع الشواغل المحلية والإقليمية المحددة. وساعد هذا الإطار على النظر في الطريقة التي يمكن أن يؤثر بها المستودع في حياة أفراد المجتمع المحلي، وأنشطته الاقتصادية، وبنيته الأساسية وهياكله المادية، وأصوله الاجتماعية والثقافية، وبيئته الطبيعية. ونظراً إلى أن هذه المبادئ التوجيهية كانت قد وضِعت منذ البداية، أصبح الحوار البنَّاء بشأن كيفية تأثير المشروع في كل مجتمع محلي سمة مميزة لعملية اختيار الموقع.
وقالت بيغري: "لقد تلقَّينا من مجتمعنا المحلي قدراً هائلاً من الدعم للمضي قدماً في مسؤوليتنا المتمثلة في استضافة أول مستودع جيولوجي عميق في كندا تابع للهيئة الوطنية للتصرف في النفايات النووية". وأضافت: "تغمرنا مشاعر الفخر والتواضع والحماس للبدء بتنفيذ هذا المشروع الآن ثم اتخاذ الخطوات التالية اللازمة على صعيدَي الترخيص والرقابة".
وختمت قائلةً: "نتطلع إلى ترك إرث يُستند إليه وإلى بدء مسيرة الازدهار الاقتصادي لفائدة شبابنا والأجيال القادمة. إنها حقاً بداية مستقبلنا في إينياس، ونبقى متمسكين بشعارنا: ’صلابة الصخر والعِلم والخيار‘".