يجري حثُّ التغيُّرات الوراثية في النباتات اصطناعيًّا إمَّا باستخدام عوامل فيزيائية أو كيميائية. وتُعدُّ الإشعاعات المؤيِّنة من بين العوامل الفيزيائية التي تُستخدم على نطاق واسع لمعالجة البذور وغيرها من المواد النباتية المكوِّنة للمحاصيل من أجل إنتاج طفرات قابلة للانتقال بالوراثة.
حثُّ الطفرات
تُستخدم الوسائل الطبيعية منذ آلاف السنين لحثِّ التنوع الجيني بهدف تحسين المحاصيل الغذائية الرئيسية. بيد أنَّ تواتر الطفرات التي تُنتج بهذه الطريقة ليس كافيًّا لتلبية الاحتياجات الراهنة. وكان من بين أهم الفتوحات العلمية التي تحقَّقت في تاريخ علوم الوراثة اكتشافُ أنَّه يمكن حثُّ الطفرات باستخدام مطفِّرات فيزيائية وكيميائية (أي عوامل لديها القدرة على تغيير المادة الوراثية في الكائنات الحية). وقد صار حثُّ الطفرات، الذي يعدُّ بجانب الكشف عن الطفرات عنصراً رئيسيًّا في عملية الاستيلاد الطفري، أداة هامة يستخدمها مستولدو النباتات منذ أكثر من ٧٠ عاماً لزيادة تنوع النباتات الجيني واستنباط سلالات جديدة طافرة ذات خصائص محسَّنة.
وبالاشتراك مع الفاو، تساعد الوكالة الدول الأعضاء على تطوير التكنولوجيات القائمة على المجال النووي والأخذ بها بما يكفل الارتقاء بممارسات حثِّ الطفرات إلى المستوى الأمثل، بهدف تكثيف إنتاج المحاصيل والمحافظة على الموارد الطبيعية.
التشعيع بغرض إحداث تغيُّرات جينية قابلة للانتقال بالوراثة
تنتج الطفرات عامة، سواءً كانت تلقائية أو مستحثَّة، من تغييرات واسعة النطاق تنطوي على حذف أجزاء من الكروموسومات أو انعكاس اتجاهها أو تغيُّر مواضعها، أو من طفرات نقطية (وهي نوع من الطفرات يُسبِّب تعديلاً لعنصر وحيد في المادة الوراثية بالتغيير أو الإدراج أو الحذف) في حمض د.ن.أ. وغالباً ما تؤدي المطفِّرات الفيزيائية إلى تغيُّرات في الكروموسومات وحالات حذف أوسع نطاقاً في حمض د.ن.أ. في حين تسبِّب المواد الكيميائية المطفِّرة عادة طفرات نقطية.
وتتوقف درجة التغيُّر الطفري أيضاً على النسيج المعني وعلى مدة التعرُّض للمطفِّر وجرعته. وعادة ما تحظى الطفرات في حمض د.ن.أ. بالجانب الأكبر من اهتمام المستولدين. بيد أنَّ الطفرات التي تعدِّل بنية الكروموسومات بغية زيادة عدد أحداث التأشيب (أي إنتاج نسل يحمل توليفات من السمات تختلف عن تلك التي يحملها أيٌّ من الأبوين منفرداً) وكسر الروابط غير المرغوب فيها تنطوي أيضاً على قيمة بالغة.
ويمكن للمطفِّرات الفيزيائية، التي تتمثَّل غالباً في الإشعاعات المؤيِّنة، أن تزيد من معدَّل حدوث الطفرات إلى ما بين ألف ضعف ومليون ضعف، وهي تُستخدم على نطاق واسع من أجل حثِّ التغيُّرات الجينية القابلة للانتقال بالوراثة. وقد استُنبط باستخدام المطفِّرات الفيزيائية ما يزيد على ٧٠ في المائة من سلالات المحاصيل التي أُنتجت عن طريق حثِّ الطفرات وأُطلقت للاستخدام. ومنذ ستينات القرن العشرين، صارت أشعة غاما أكثر العوامل المطفِّرة استعمالاً في الاستيلاد الطفري للنباتات.
وعادة ما تُعالج البذور أو غيرها من المُنثرات (مثل حبوب اللقاح أو الأبواغ أو الفسائل) لثوانٍ أو دقائق بمصدر من مصادر الكوبالت-60 أو تُشعَّع في آلات الأشعة السينية. ويمكن أيضاً تشعيع نباتات أو شتلات بأكملها، إمَّا في دفيئة غاما أو في حقل غاما. وتُسمَّى هذه العملية بالتشعيع المزمن. وإذا لم تُستصلح الطفرات الناتجة بفعل آلية الإصلاح الخاصة بالخلية، فإنَّ ذلك يعني إنتاج طفرة قابلة للانتقال بالوراثة.
وخلال العقدين الماضيين، برزت إشعاعات الحزم الأيونية باعتبارها مطفِّراً فعَّالاً وفريداً من نوعه. كما أثبتت أنواع أخرى من الإشعاعات المطفِّرة، مثل الأشعة السينية وجسيمات ألفا وبيتا والنيوترونات السريعة والأشعة فوق البنفسجية، فائدتها في حثِّ الطفرات في النباتات، إمَّا فيما يخصُّ أنواعاً معيَّنة من المواد أو أغراضاً بعينها. ومن الأمثلة على ذلك استخدام النيوترونات السريعة لحثِّ عمليات واسعة النطاق لحذف المواد الجينية.