مع تزايد عدد البلدان التي تأخذ بالقوى النووية من أجل تحسين أمن الطاقة والتخفيف من آثار تغير المناخ، من المتوقع أن تتفاقم التحديات التي ينطوي عليها إخراج المرافق النووية من الخدمة بنجاح. ويتمثَّل أحد العوامل الحاسمة الأهمية في معالجة هذه التحديات في التصدي لها من البداية.
واليوم، هناك أكثر من 56 مفاعلاً قيد التشييد حول العالم، وتشرع بلدان عديدة في تنفيذ خطط للتوسُّع في أسطولها النووي أو إنشاء برنامج للقوى النووية للمرة الأولى.
وقد صار التفكير الاستباقي والابتكار يؤديان في الوقت الراهن دوراً محوريًّا فيما يتعلق بنهاية دورة حياة المفاعلات النووية. وتُصمَّم محطات القوى النووية الجديدة، بما في ذلك المحطات القائمة على مفاعلات نمطية صغيرة، مع وضع إخراجها من الخدمة في الحسبان. وبعبارة أخرى، فإنَّ مصممي مفاعلات القوى النووية يخططون للكيفية التي سيجري بها تفكيك تلك المفاعلات حتى قبل أن يبدأ تشييدها.
وتضطلع الوكالة بدور عالمي فريد في تيسير الأخذ بالتكنولوجيات النووية الناشئة، مع العمل في الوقت نفسه على تعزيز التنسيق بين اللوائح حتى يمكن إخراج المرافق من الخدمة بأمان وكفاءة متى آن الأوان. ومن المتوقع أن نسبة تقارب النصف من مفاعلات القوى النووية التي يعتمد عليها العالم اليوم، والبالغ عددها 423 مفاعلاً، سوف تدخل عملية الإخراج من الخدمة بحلول عام 2050. ومن الممكن أن يحتاج كلُّ مفاعل من هذه المفاعلات إلى فترة تصل إلى 20 عاماً أو أكثر حتى يتم إخراجه من الخدمة بالكامل.
وتعمل الوكالة على مساعدة البلدان على ضمان تنفيذ أعمال الإخراج من الخدمة ضمن الأطر التقنية والرقابية الملائمة، من خلال الترويج لمعايير الأمان والممارسات الدولية الجيدة عن طريق عقد حلقات العمل والمنتديات وإيفاد البعثات وإصدار المنشورات.
وتأتي عملية الإخراج من الخدمة في إطار تحمُّل المسؤولية والالتزام بمفهوم الاقتصاد الدائري في دورة الحياة الصناعية والنووية. ويتزايد مقدار المواد التي تجري إعادة تدويرها، مع تحقيق وفورات في التكاليف وتكثيف الأطر الزمنية. وفي الوقت نفسه، تشهد أنشطة الإخراج من الخدمة تحسُّناً على صعيد الأمان والفعالية بفضل التكنولوجيات الجديدة مثل علوم البيانات والذكاء الاصطناعي والروبوطات والطائرات بلا طيار.
وتحرص الوكالة على تقاسم الدروس والابتكارات التي تتمخض عنها المشاريع الناجحة في مجال الإخراج من الخدمة، بما في ذلك من خلال شبكتها الدولية المعنية بالإخراج من الخدمة. وتؤدي الوكالة أيضاً دوراً حيويًّا في ضمان الأمان، حتى في الظروف المفعمة بالتحديات. ففي حالة حادث فوكوشيما داييتشي النووي في عام 2011، كان الأمر يتطلب ابتكارات مثل استخدام تقنية رسم الخرائط باستخدام ميونات الأشعة الكونية للمساعدة على تحديد أماكن الوقود التالف، وبناء جدار من التربة المتجمدة تحت الأرض لمنع اختلاط المياه الجوفية بالمياه الملوثة داخل مباني المفاعلات، واستخدام الروبوطات لتنفيذ الأعمال في المناطق التي يتعذر الوصول إليها. وقد ساعدت هذه الابتكارات على النهوض بالفعالية والكفاءة مع التقليل إلى أدنى حد من المخاطر على العاملين وعموم الجمهور والبيئة المحيطة.
وفي حين أن الأمان له أهمية بالغة، فإنَّه ليس الاعتبار الوحيد. فالضمانات عامل رئيسي في عملية الإخراج من الخدمة. فمفتشو الوكالة يكونون حاضرين عند نقل الوقود المستهلك أو التخلص منه للتحقق من عدم تحريف المواد المستخدمة في محطات القوى النووية عن الاستخدامات السلمية.
وتدعم الوكالة التعاون الدولي وتقاسم المعارف، ولكليهما أهمية حيوية في تلبية الطلب العالمي المتزايد على خدمات إخراج المرافق النووية من الخدمة. ومن المهم أن توضع المرحلة الختامية من دورة الوقود النووي على نحو سليم حتى يمكن للطاقة النووية أن تؤدي دوراً كاملاً ومستداماً في معالجة أكثر التحديات العالمية إلحاحاً، من التخفيف من آثار تغير المناخ وتلوث الهواء، إلى توفير أمن الطاقة وإتاحة الطب النووي لمكافحة السرطان وأمراض القلب.