العلوم والتكنولوجيا النووية وتطبيقاتها وبرنامج التعاون التقني
بقلم كواكو أفريي
أثرت العلوم والتكنولوجيا النووية تأثيراً كبيراً على مختلف جوانب الحياة البشرية، بدءاً من التطورات في مجال الرعاية الصحية إلى العمليات الصناعية. وتجمع المنصات العالمية مثل المؤتمر الوزاري للوكالة بشأن العلوم والتكنولوجيا النووية وتطبيقاتها وبرنامج التعاون التقني الخبراء وواضعي السياسات والجهات المعنية لمناقشة التقدم المحرز في هذه المجالات وصياغة السياسات النووية العالمية، ومعايير الأمان، والمزايا الاجتماعية والاقتصادية للتكنولوجيا النووية.
والطب النووي هو أحد المجالات الرئيسية للنمو في العلوم النووية على مدى العقد الماضي، ولا سيما في التصوير التشخيصي وعلاج السرطان. ويتزايد أيضا تطبيق التكنولوجيات الإشعاعية في تشعيع الأغذية وتعقيمها، وفي مختلف العمليات الصناعية. ويجسِّد تشييد مفاعلات جديدة، ولا سيما في آسيا، انتعاشا في مجال الطاقة النووية، مع زيادة تأكيد أوجه التقدم في مفاعلات البحوث على أهميتها. وتتميز الابتكارات مثل المفاعلات النمطية الصغيرة ومفاعلات الماء المضغوط المتقدمة بتطبيقاتها المحتملة غير المتعلقة بالقوى، بما في ذلك تحلية المياه وإنتاج النظائر المشعة الطبية.
وينشأ الاهتمام المتجدد بالطاقة النووية من الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة وفعالة من حيث التكلفة وموثوقة لمكافحة تغير المناخ. وقد تبدَّدت بعض المخاوف المتعلقة بالأمان وارتفاع التكاليف وتحديات التصرف في النفايات - خاصة بعد حوادث مثل تلك التي وقعت في جزيرة ثري مايل آيلاند (1979) وتشرنوبل (1986) وفوكوشيما (2011) - وذلك من خلال التقدم التكنولوجي وتحسين بروتوكولات الأمان والتحول الذي طرأ في نظرة الجمهور لهذا المجال. ونتيجة لذلك، يُنظر إلى التكنولوجيا النووية على نحو متزايد باعتبارها حلاً نواجه به تحديات الطاقة العالمية وعاملاً رئيسياً يساهم في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ولا سيما في مجالات الصحة والأمن الغذائي والاستدامة البيئية.
وفي المناطق النامية مثل أفريقيا، تؤدي العلوم النووية دوراً محفِّزاً على التحوُّل، حيث تقدم الوكالة التعاون التقني لبناء القدرات المحلية. وفي غانا، تطبَّق التقنيات النووية، بما في ذلك تشعيع الأغذية والاستيلاد الطفري في الزراعة لتطوير محاصيل مقاوِمة للأمراض مثل المنيهوت، وهو غذاء أساسي، وبالتالي تحسين الأمن الغذائي وإدارة خسائر ما بعد الحصاد. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن ثلث الإنتاج الغذائي العالمي يضيع بسبب الآفات والتلف، مما يؤدي إلى تفاقم الجوع بالنسبة لأكثر من 700 مليون شخص. وتؤدي تكنولوجيات مثل تشعيع الأغذية، وهي تقنية تطيل العمر الافتراضي للأغذية وتحدُّ من الأمراض المنقولة بالأغذية، وتقنية الحشرة العقيمة، التي تكافح آفات مثل ذباب تسي تسي وذباب الفاكهة والبعوض، دوراً أساسياً في التصدي لهذه التحديات، بما يتماشى مع مبادرة الوكالة Atoms4Food (تسخير الذرة من أجل الغذاء).
وللعلوم النووية أيضا تأثير كبير على علاج السرطان. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنَّ أكثر من 70 في المائة من الوفيات الناجمة عن السرطان تحدث في البلدان النامية، ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى محدودية فرص الحصول على معدات وخدمات العلاج. ومن الضروري توسيع نطاق الحصول على العلاج الإشعاعي لمعالجة هذه الأزمة الصحة العمومية. وتهدف مبادرة "أشعة الأمل" التي أطلقتها الوكالة إلى توفير معدات العلاج الإشعاعي والتدريب في المناطق التي يكون فيها علاج السرطان محدوداً، ولا سيما في أفريقيا.
وإلى جانب الرعاية الصحية والزراعة، تستخدم التكنولوجيات النووية في إدارة الموارد المائية واستكشاف الموارد الجيولوجية. وفي غانا، تُستخدم الهيدرولوجيا النظيرية لتتبع حركة المياه الجوفية من أجل تحسين إدارة المياه. ويشارك العلماء من غانا في الجهود العالمية لمكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية من خلال المبادرات النووية في إطار مبادرة الوكالة لاستخدام التكنولوجيا النووية لمكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية (مبادرة نيوتيك للمواد البلاستيكية). ويستخدم هذا البلد نهج المعالم المرحلية البارزة الخاص بالوكالة لتوجيه عمليته المرحلية المتعلقة بتنفيذ القوى النووية كجزء من برنامجه الانتقالي في مجال الطاقة.
“ في المناطق النامية مثل أفريقيا، تؤدي العلوم النووية دوراً محفِّزاً على التحوُّل، حيث تقدم الوكالة التعاون التقني لبناء القدرات المحلية.
ولقد كانت تنمية الموارد البشرية حاسمة لنمو العلوم النووية في غانا وفي جميع أنحاء أفريقيا. وقدَّم برنامج الوكالة للتعاون التقني التدريب لأكثر من 730 خريجاً في مجال العلوم النووية من خلال مدرسة العلوم النووية والعلوم المرتبطة بها في جامعة غانا، التي تعمل كمركز إقليمي مختار. ومن الضروري بذل الجهود لزيادة مشاركة المرأة في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من خلال مبادرات مثل برنامج المنح الدراسية ماري سكلودوفسكا-كوري التابع للوكالة، ولا سيما في بلدان الجنوب حيث لا يزال التفاوت بين الجنسين مرتفعاً.
وقد وضع التقدم الذي أحرزته غانا في مجال العلوم النووية البلد في مكانة رائدة وجعله نموذجاً يحتذى به في أفريقيا وقادراً على المساهمة في جهود تبادل المعارف. وبدعم من الوكالة، حصل البلد على اعتماد لاستضافة مراكز إقليمية مختارة للتعليم والتدريب في مجالات العلوم النووية، والفيزياء الطبية، والوقاية من الإشعاعات والأمان. وأصبح معهد التكنولوجيا الحيوية والبحوث الزراعية النووية التابع لغانا أول مركز متعاون مع الوكالة في أفريقيا في مجال الاستيلاد النباتي والصفات الوراثية النباتية. ويسلط هذا التقدم الضوء على أهمية التعاون الدولي في النهوض بالعلوم النووية لأغراض التنمية.
واستشرافا للمستقبل، لا يمكن المبالغة في التأكيد على دور العلوم النووية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. ومن أجل إحراز تقدم مستدام، فإنَّ وجود تعاون دولي وأطر رقابية أقوى واستثمارات في البنية الأساسية النووية، وخاصة في مجال التصرف في النفايات المشعة، هي مسائل حيوية. ويجب توسيع نطاق تنمية الموارد البشرية في بلدان الجنوب من أجل تخريج عمال مهرة قادرين على صيانة التكنولوجيات النووية والنهوض بها. كما أن تثقيف الجمهور بشأن فوائد العلوم النووية ومخاطرها أمر بالغ الأهمية بنفس القدر لزيادة تقبُّله لهذه العلوم وضمان تطبيقها الآمن والمنصف والفعال في جميع أنحاء العالم.
ولذلك يتيح المؤتمر فرصة مناسبة للجهات المعنية لاستكشاف هذه القضايا والتخطيط لمستقبل العلوم والتكنولوجيا النووية. ومن خلال برنامج الوكالة للتعاون التقني والتعاون الدولي المستدام، يمكن للعلوم النووية أن تواصل التصدي لبعض التحديات الأكثر إلحاحا في العالم.