إعادة التفكير في الري
تحسين استخدام المياه باستخدام العلوم النووية
Monika Shifotoka

يساعد جهاز استشعار نيوتروني بالأشعة الكونية مزارعاً في رصد مستويات مياه التربة من خلال التقاط بيانات آنية عن الرطوبة، وتُعرض هذه البيانات على الهاتف الذكي في المقدمة. (الصورة من: م. كاسلينغ/الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
تمثل الزراعة أكبر قطاع مستهلك للمياه في العالم، إذ تستأثر في المتوسط بنسبة 70% من المياه العذبة المستمدة من البحيرات والأنهار ومستودعات المياه الجوفية في جميع أنحاء العالم. ويضع هذا القطاع ضغوطا هائلة على الموارد المائية، مما يهدد إدارة الموارد المائية على المدى الطويل، وهو أمن بالغ الأهمية لصحة المجتمعات المحلية والبيئة والاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
وقال السيد محمد زمان، رئيس قسم إدارة التربة والمياه وتغذية المحاصيل في الوكالة: "في ظل تزايد الضغوط على الموارد المائية، لم يعد تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة أمراً اختيارياً بل أصبح ضرورياً". وأضاف: "تساعد الحلول القائمة على العلم المزارعين في استخدام كل قطرة بحكمة مع الحفاظ على الإنتاجية والاستدامة."
وتُمكن الابتكارات في العلوم النووية والتكنولوجيات ذات الصلة المزارعين من اعتماد ممارسات زراعية ذكية مناخيا توفر المياه وتعزز غلة المحاصيل وتبني القدرة على الصمود أمام تغير المناخ.
وتقوم الوكالة، من خلال المركز المشترك بين الفاو والوكالة لاستخدام التقنيات النووية في الأغذية والزراعة (المركز المشترك)، بتزويد المزارعين في المناطق التي تعاني من ندرة المياه بالأدوات والإرشادات اللازمة للري بطريقة أكثر ذكاء. ويُمكنهم ذلك من تقييم توافر المياه وكذلك حركتها في التربة وامتصاصها من قبل المحاصيل، حتى يتمكنوا من استخدامها بكفاءة أكبر.
دعم ممارسات ري فعَّالة
يحتوي الماء، الذي يتكون من ذرة أكسجين واحدة وذرتي هيدروجين، على نظائر طبيعية (ذرات من نفس العنصر تضم أعداد مختلفة من النيوترونات) يمكن تتبعها بسهولة. وتساعد التقنيات القائمة على نظائر الأكسجين العلماء على فهم كيفية استخدام النباتات للمياه. ومن خلال تحليل النظائر في المياه الموجودة في التربة وداخل النباتات، يمكن للباحثين تحديد مصادر المياه التي تعتمد عليها النباتات، وكمية المياه التي تستخدمها، والكمية المفقودة بسبب التبخر، والكمية التي تتسرب إلى التربة. ويتيح فهم هذه العمليات للخبراء التوصية بجداول ري أفضل، وأنواع محاصيل مناسبة، وممارسات زراعية محسنة للحفاظ على المياه وزيادة غلة المحاصيل. ويعود هذا النوع من المعلومات بالفائدة، بشكل خاص، على المناطق التي تواجه الجفاف أو ندرة المياه.
وتساعد تقنيات الزراعة الذكية مناخيا المزارعين على الاستخدام الأمثل للمياه وتحسين ظروف التربة، مما يضمن إنتاجا زراعيا مستداما. وما فتئ برنامج التعاون التقني للوكالة يدعم اعتماد تقنيات زراعية ذكية مناخيا في البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في أفريقيا وآسيا، بما في ذلك السودان وناميبيا.
الري بالتنقيط من أجل الحفاظ على المياه في السودان
يؤدي تغير المناخ في السودان إلى تقلبات في أنماط الطقس، حيث تُسبب مواسم الجفاف وهطول الأمطار التي لا يمكن التنبؤ بها نقص المياه وفقدان المحاصيل وانعدام الأمن الغذائي.
وساعدت الوكالة مئات المزارعات في منطقة كسلا السودانية على زراعة المزيد من الأغذية بمياه أقل باستخدام نظم محسنة للري بالتنقيط، من خلال مبادرة تجريبية في إطار برنامج للتعاون التقني للوكالة. وتتميز هذه النظم بانخفاض التكلفة وسهولة التركيب والتشغيل كما أنها تزود جذور النباتات بالمياه مباشرة، مما يقلل من النفايات. وقد مكنت المزارعين السودانيين من تقليل استخدام المياه بنسبة تصل إلى 70% مع زيادة غلة المحاصيل بأكثر من 40%. وقال السيد أحمد بابكر خليفة، الاختصاصي في إدارة المياه في هيئة البحوث الزراعية في السودان: "بفضل هذا المشروع، شهدنا تحسينات قابلة للقياس في كفاءة استخدام المياه". وأضاف: "إن دمج الري بالتنقيط مع البيانات المستمدة من التقنيات النووية يساعدنا على استخدام الكمية المناسبة من المياه — وهذا حل عملي للزراعة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه."
وقد كان هذا النجاح مصدر إلهام لاعتماد هذه التكنولوجيا على نطاق أوسع في السودان وخارجه، ومكَّن النساء وساعد المجتمعات المحلية على التكيف مع التحديات المناخية وعزَّز في الوقت نفسه الأمن الغذائي.
تحسين المحاصيل في ناميبيا باستخدام أجهزة استشعار نيوترونات الأشعة الكونية
ناميبيا هي واحدة من أكثر البلدان جفافا في أفريقيا، حيث يُصنف 92% من أراضيها على أنها قاحلة أو شبه قاحلة. وفي السنوات الأخيرة، شهدت ناميبيا تقلبات في هطول الأمطار والفيضانات والجفاف الشديد بسبب تغير المناخ، مما أسهم في حدوث نقص خطير في الأغذية.
ومنذ عام 2020، تقوم الوكالة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، من خلال المركز المشترك، بتدريب المزارعين في شمال ناميبيا على سقي حقولهم بكفاءة أكبر. ويستخدم المزارعون المعلومات المستمدة من مزيج من التقنيات النووية مثل أجهزة استشعار نيوترونات الأشعة الكونية وتكنولوجيات الري الموفرة للمياه، بما في ذلك الري بالتنقيط وتجميع مياه الأمطار.
وبإمكان المزارعين تقييم المياه الموجودة في التربة من خلال البيانات الآنية عن رطوبة التربة التي تجمعها أجهزة استشعار نيوترونات الأشعة الكونية والتقنيات ذات الصلة. ويساعدهم نظام الري بالتنقيط في تطبيق كميات دقيقة من المياه بقدر ما تحتاجه النباتات.
وقد مكَّن مشروع للتعاون التقني تابع للوكالة المزارعين من الاستفادة من هذه التكنولوجيات لخفض استخدام المياه بنسبة 80%. كما نمت غلة محاصيل مثل الذرة والطماطم والفلفل بنسبة تصل إلى 70%.
وقال السيد مالياتا أثون وانغا، وهو مسؤول علمي زراعي في وزارة الزراعة والمياه واستصلاح الأراضي في ناميبيا: "من شأن إدماج التقنيات النووية مع ممارسات الري الذكية أن يحدث ثورة في مجال دعم المزارعين". وأضاف: "تُمكن أجهزة استشعار نيوترونات الأشعة الكونية من اتخاذ قرارات معتمدة على البيانات، تؤدي مباشرة إلى تحسين كفاءة استخدام مجتمعاتنا المحلية للمياه، وتعزيز أمنها الغذائي وقدرتها على الصمود أمام تغير المناخ."