You are here

ما هو الانتقال إلى الطاقة النظيفة وما دور القوى النووية في ذلك؟

Nicole Jawerth

العالم بحاجة إلى الطاقة لدعم الحياة اليومية ودفع عجلة التنمية البشرية والاقتصادية.


 وفي عام ٢٠١٩، أٌنْتِج أكثر من ٢٦٠٠٠ تيراواط–ساعة من الكهرباء في جميع أنحاء العالم.


 وتُنْتَجُ هذه الكهرباء بالاستعانة بمجموعة من مصادر الطاقة، معظمها من الوقود الأحفوري، لكنها تشمل أيضاً القوى النووية ومصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح.

ويعدُّ إنتاج الطاقة واستخدامها أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة حول العالم. ونظراً لأن غازات الدفيئة هي القوة الدافعة وراء تغيُّر المناخ، تعمل البلدان في جميع أنحاء العالم بشكل نشطٍ على الانتقال إلى الطاقة النظيفة من خلال تغيير كيفية إنتاج الطاقة.

وإليكم نظرة فاحصة على الانتقال إلى الطاقة النظيفة والدور الذي تضطلع به القوى النووية.

ما "الانتقال إلى الطاقة النظيفة"؟

يُقصد بالانتقال إلى الطاقة النظيفة الابتعاد بإنتاج الطاقة عن المصادر التي تُطلق الكثير من غازات الدفيئة، من قبيل الوقود الأحفوري، والتحوُّل إلى تلك التي تطلق القليل من غازات الدفيئة أو لا تُطلقها على الإطلاق. وتُعَدُّ القوى النووية والطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية بعضاً من هذه المصادر النظيفة.

واتُفِق على مسار الانتقال إلى الطاقة النظيفة على صعيد العالم في اتفاق باريس، وهو صفقة دولية بين أكثر من ١٨٠ بلداً ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ. ويهدف الاتفاق في جوهره إلى الحد من الزيادة في متوسط ​​درجات الحرارة العالمية إلى أقلّ من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعة من خلال تشجيع استخدام مصادر الطاقة المنخفضة الكربون لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة.

ومع استمرار توليد ما يقرب من ثُلثي الكهرباء في العالم من حرق الوقود الأحفوري، سيستلزم تحقيق هذه الأهداف المناخية بحلول عام ٢٠٥٠ تحويل ٨٠٪ على أقلّ تقدير من الكهرباء إلى مصادر منخفضة الكربون، وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.

ما المقصود بغازات الدفيئة، والاحترار العالمي، وتغيُّر المناخ؟

غازات الدفيئة هي غازات في الغلاف الجوي للأرض تحبس الحرارة وتطلقها. وتشمل هذه الغازات ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء وأكسيد النيتروز والأوزون. فهذه الغازات تمتصُّ الحرارة وتشعها مرة أخرى نحو الأرض، ما يؤدي إلى ارتفاع متوسط ​​درجة حرارة الكوكب.

وعلى الرغم من أن بعض غازات الدفيئة ذات مصادر طبيعية، إلا أن البشر يتسبَّبون بمعظمها اليوم. فمنذ الثورة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر، ارتفعت انبعاثات غازات الدفيئة بسبب زيادة الأنشطة البشرية، وفي المقام الأول من حرق الوقود الأحفوري، مثلما هو الحال عند قيادة سيارة تعمل بالبنزين أو حرق الفحم لتوليد الحرارة. وعندما يحترق الوقود الأحفوري فإنه يطلق ثاني أكسيد الكربون.

ولأكثر من ١٠٠ عام، تراكمت غازات الدفيئة بسرعة تفوق بكثير السرعة التي يمكن أن تتبدَّد بها، الأمر الذي أدى، وفقَ أكثر النظريات العلمية المعتمدة، إلى تسريع ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة العالمية. وهذا ما يُسمى الاحترار العالمي.

ويتسبب الاحترار العالمي في تغيُّرات بيئية، مثل أنماط الطقس الأشد قسوة، وعدم انتظام هطول الأمطار، والجفاف، والتغيرات الموسمية غير المتوقعة. وتُعرف هذه التغيُّرات باسم تغيُّر المناخ. ومع تسارُع الاحترار العالمي في الوقت الراهن، مِن المتوقع أن يصبح تغيُّر المناخ وآثاره أكثر تطرُّفاً وأن تتفاقَم صعوبة العيش على كوكب الأرض.

ما دور القوى النووية في الانتقال إلى الطاقة النظيفة؟

تأتي القوى النووية في المرتبة الثانية كأكبر مصدر للطاقة المنخفضة الكربون المستخدَمة اليوم لإنتاج الكهرباء، بعد القدرة الكهرمائية. ومحطات القوى النووية، أثناء تشغيلها، تكاد لا تتسبَّب في أيّ انبعاثات لغازات الدفيئة. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، أدى استخدام القوى النووية إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من ٦٠ غيغا طن على مدار الخمسين عاماً الماضية، وهو ما يعادل عامين تقريباً من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالطاقة.

وتمثل القوى النووية قرابة ١٠٪ من الكهرباء في العالم وقرابة ثُلث الكهرباء المنخفضة الكربون في العالم. وحاليًّا، ثمة ٤٤٠ مفاعل قوى نووية قيد التشغيل في ٣٠ بلداً. وثمة ٥٤ مفاعلاً قيد الإنشاء في ١٩ بلداً، منها ٤ بلدان تشيّد أول مفاعلاتها النووية.

ويمكن لمحطات القوى النووية، لقدرتها على العمل بكامل طاقتها دون انقطاع تقريباً، أن توفّر إمدادات متواصلة وموثوقة من الطاقة. وهذا على عكس مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فهي تتطلب مصادر طاقة احتياطية أثناء حدوث فجوات في الناتج، مثل عندما تغرب الشمس أو يتوقف هبوب الرياح.

ويمكن لمحطات القوى النووية أيضاً أن تعمل بمرونة لمواجهة التقلبات في الطلب على الطاقة وتوفير الاستقرار للشبكات الكهربائية، لا سيما ذات الحصص العالية من المصادر المتجددة المتغيرة. وجارٍ في الوقت الراهن تصميم بعض محطات القوى النووية لتقديم خدمات غير كهربائية أيضاً، مثل إنتاج الهيدروجين. ويمكن أن تساعد هذه الخدمات في تخليص قطاعات أخرى من الكربون، بالإضافة إلى إنتاج الكهرباء.

 وأثمر استمرار التقدُّم المحرز في تكنولوجيات القوى النووية عن تصاميم مفاعلات ابتكارية ومتقدمة ومن الجيل التالي تساعد على جعل القوى النووية خياراً أفضل من حيث الكفاءة والتكلفة الميسورة والجاذبية لإزالة الكربون. ومن المتوقع أيضاً أن يسهم عصر جديد من تصاميم المفاعلات الأصغر حجماً والأكثر مرونة، وفي بعض الحالات، القابلة للنقل، في جعل القوى النووية وتطبيقاتها غير الكهربائية أكثر سهولة للحصول عليها وأكثر جدوى من حيث التكلفة، خاصة بالنسبة للأجزاء النائية والتي يصعب الوصول إليها من الكرة الأرضية.

كيف تعمل القوى النووية؟

القوى النووية هي الكهرباء التي تُنْتَج بإطلاق الطاقة النووية بطريقة يمكن التحكُّم بها، وهي الطاقة التي تمسك بمركز الذرات معاً. وهذه المراكز تُسمى النوى. وتُطلق الطاقة النووية، في نهاية المطاف على شكل حرارة، بفعل الانشطار النووي، وهي عملية تقسيم نوى مواد معيَّنة. وأكثر المواد المستخدمة شيوعاً هو اليورانيوم، وهو معدن ثقيل وقليل الإشعاع يوجد بشكل طبيعي في قشرة الأرض.

ويُحمَّل اليورانيوم عادةً في قضبان وقود، غالباً بعد إثرائه لزيادة قدرته على الانشطار. وتوضَع هذه القضبان داخل مفاعل نووي.

وتوضَع قضبان الوقود، عند استخدامها في مفاعلات الماء المضغوط، وهو النوع الأكثر شيوعاً من مفاعلات القوى النووية العاملة قيد التشغيل حالياً في جميع أنحاء العالم، داخل وعاء المفاعل المملوء بالماء. وهناك، تتعرَّض قضبان الوقود إلى لوابل من جزيئات نووية تُسمى نيوترونات، والتي تولَّد في البداية بواسطة جهاز (مصدر نيوتروني) داخل المفاعل. وتتسبَّب هذه النيوترونات في انقسام نوى اليورانيوم داخل قضبان الوقود، ما يؤدي إلى إطلاق الطاقة والنيوترونات. وتتسبب هذه النيوترونات التي تُطلق جرّاء ذلك في انقسام نوى يورانيوم أخرى داخل قضبان الوقود، وهكذا يؤدي ذلك إلى تفاعلات انشطارية نووية متسلسلة.

وفي مفاعلات الماء المضغوط، تقوم الطاقة المنبعثة أثناء الانشطار النووي بتسخين قضبان الوقود والمياه المحيطة بها. وتظلُّ المياه مضغوطة لمنع الغليان، وتُنقل الحرارة بدلاً من ذلك عبر الأنابيب لغلي الماء في وعاء قريب. وينتج الماء المغلي البخار الذي يُستخدم لتشغيل توربين عملاق بسرعات فائقة. وهذا التوربين متصل بمولّد يدُور أيضاً لإنتاج الكهرباء. ومن ثم تتدفق الكهرباء إلى شبكة كهرباء، وهي شبكة مترابطة لتوصيل الكهرباء من المنتجين إلى المستهلكين.

ويستمر الانشطار النووي إلى أن تُدْخَل قضبان التحكم المصنوعة من مواد تمتص النيوترونات دون توليد انشطارات إضافية، مثل الكادميوم، بين قضبان الوقود. وهو ما يوقف التفاعل الانشطاري النووي المتسلسل.

٢٠٢٠/٠٩
Vol. 61-3

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية