يُطبَّق الاستيلاد الطفري منذ ثلاثينات القرن العشرين من أجل التعجيل بعملية استحداث السمات الزراعية المفيدة وانتقائها، باستخدام التركيبة الوراثية للنبات نفسه، في محاكاة لعملية الطفر التلقائي الطبيعية. وتنتج عن عملية الطفر تغيُّرات جينية عشوائية، وهو ما يسفر عن نباتات طافرة ذات سمات جديدة ومفيدة.
الاستيلاد الطفري
ينطوي الاستيلاد التقليدي في أبسط أشكاله على انتقاء النباتات ذات الخصائص المرغوب فيها للتكاثر واستبعاد أو "تنحية" النباتات ذات الخصائص غير المرغوب فيها بالقدر نفسه. وثمة تقنية أخرى، غالباً ما يُشار إليها بالتهجين، تتمثَّل في تعمُّد التزاوج بين سلالات أبوية تجمعها صلة قرابة وثيقة أو بعيدة ولكنها متوافقة جنسيًّا لإنتاج أصناف أو سلالات جديدة من المحاصيل تتمتع بخصائص مرغوب فيها. وتنطوي كلتا التقنيتين على عملية تمتدُّ على مدى عدَّة أجيال وغالباً ما تتطلَّب خمسة أعوام أو أكثر حتى يتسنى استبعاد الخصائص غير المرغوب فيها وتنمية السمات المطلوبة.
وبالاشتراك مع الفاو، تساعد الوكالة دولها الأعضاء في تطوير وتطبيق تكنولوجيات تتيح حثَّ الطفرات في النباتات، عن طريق استخدام التشعيع بأشعة غاما والأشعة السينية، ومن ثمَّ تسريع وتيرة عملية الاستيلاد بدرجة كبيرة. ويمكن أن ينطوي ذلك أيضاً على استخدام تكنولوجيات حيوية ذات صلة بغية التعرُّف على الطفرات المطلوبة وانتقائها.
أداة أسرع، ومع ذلك ملائمة للبيئة
يقوم الاستيلاد الطفري، في حالة المحاصيل الذاتية التلقيح التي تتكاثر بالبذور، على الإخصاب الذاتي للطافرات حتى يستقر ظهور السمة المستحثَّة المطلوبة في الأجيال الطافرة المتقدِّمة. وكثيراً ما تلزم إعادة تهجين الطافرات مع النمط الجيني الأصلي غير الطافر (والنمط الجيني هو الجزء من تسلسل الحمض النووي في أيِّ خلية الذي يحدِّد خصائصها المحدَّدة) للمحافظة على خصائصه المفيدة.
ويقوم الاستيلاد الطفري على حثِّ الطفرات والكشف عن الطفرات. وهو ينطوي على العديد من المزايا النسبية: فهو فعال من حيث التكلفة وسريع ومُثبت الفائدة ومحكم. كما أنَّه قابل للنقل وقابل للتطبيق في جميع الأحوال وعديم الخطر وملائم للبيئة. وقد أُطلق رسميًّا أكثر من ٢٠٠ ٣ صنف طافر – بما يشمل العديد من المحاصيل ونباتات الزينة والأشجار – للاستخدام التجاري في أكثر من ٢١٠ من الأنواع النباتية مما يزيد على ٧٠ بلداً (المصدر: قاعدة البيانات المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة والوكالة الدولية للطاقة الذرية المعنية بالسلالات الطافرة).
وتؤدي التكنولوجيات الحيوية النباتية دوراً مهمًّا في الاستيلاد الطفري. حيث إنَّ تقنيات زراعة الأنسجة النباتية أدوات قوية لتقصير الفترة الزمنية اللازمة لإنتاج السلالات الطافرة القابلة للاستيلاد (أي التي دائماً ما تورِّث سمات بعينها لنسلها). ويُعدُّ هذا الأمر بمثابة عنق الزجاجة في عملية استغلال الطفرات التي تُستحثُّ في المحاصيل كسمات متنحية (والسمة المتنحية في علوم الوراثة هي سمة يحملها أحد الجينات وإنما لا تظهر بسبب تغلُّب سمة أخرى سائدة عليها).
ومن بين هذه الأدوات المستخدمة في استيلاد النباتات تقنية تثنية أحاديات الصبغيات، أي مضاعفة الكروموسومات الموجودة في أحاديات الصبغيات - وهي الكائنات أو الخلايا التي لا تحتوي إلا على كروموسوم واحد من كلِّ زوج من أزواج الكروموسومات.
ومن الأساليب الأخرى تحديد الواسمات الجزيئية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسمات المرغوب فيها والتي يمكن استخدامها بعد ذلك للتعرُّف سريعاً على تلك السمات. ومن الممكن أن يسهم تطوير هذه الواسمات ونشرها في زيادة تعزيز برامج الاستيلاد الطفري للنباتات، ولا سيما فيما يخصُّ المحاصيل الغذائية الرئيسية مثل الأرز.