You are here

كيف تساعد التكنولوجيا النووية السودانيات على تحقيق أفضل استفادة من أراضيهن

العلوم النووية تساعد السودانيات على تحويل الأراضي الجافة إلى حقول خضروات. (الصورة من: نيكول جاويرث، الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

في أطراف السودان، وتحت الشمس المحرقة، تثرثر نساء ملتحفات من الرأس إلى القدمين بأثواب زاهية الألوان وهن يجنين خضروات خضراء مزدهرة لإطعام أسرهن وجيرانهن وكسب المال. فحقولهن تزدهر وسط مسافات شاسعة من الأراضي العطشى لأن العلوم النووية ساعدتهن على تحقيق أفضل استفادة من إمدادات المياه المحدودة وعلى الاستخدام الأمثل للأسمدة.

"كنا لا نملك شيئا. ولم يكن لدينا سوى القليل من الطعام، وكان يتعين علينا أن نشتريه من السوق. بل لم نكن نعرف كيف تزرع الخضروات"، هكذا قالت فاطمة إسماعيل، وهي مزارعة من قرية صغيرة في شرق السودان ينفذ فيها منذ عام ٢٠١٥ مشروع ري بالتنقيط تدعمه الوكالة.

كانت هؤلاء المئات من النساء يعشن حياة مقيدة لا يوجد فيها سوى القليل من فرص التغيير. وكانت لدى أسرهن، والعديد منها من اللاجئين أو النازحين، موارد غذائية محدودة، وكن يعتمدن على دخول أزواجهن الشحيحة. ولم يكن متاحا لهؤلاء النساء خيار زراعة غذائهن بأنفسهن أو مغادرة بيوتهن للعمل وكسب المعيشة.

والآن، من خلال مزارع صغيرة وبساتين منزلية تزرع على الوجه الأمثل باستخدام العلوم والتكنولوجيا النووية، تستفيد النساء وأسرهن وقرى بأسرها من الحصول على شتى أصناف الخضروات، من البصل والباذنجان إلى البامية والخضروات الورقية.

"قبل ذلك، كان طفلي يعاني من سوء التغذية، وكان على أن آخذه كثيرا إلى الطبيب"، قالت حليمة على فرج، وهي مزارعة تشارك في المشروع. "أما الآن، ومع توافر المزيد من الغذاء والمزيد من التغذية من الخضروات، لم يذهب إلى الطبيب منذ أشهر."

وكان العلم نقطة البداية لتغيير جديد لهؤلاء النساء. فقد تم تدريب علميين محليين من هيئة البحوث الزراعية وتزويدهم بدعم تقني من خبراء من الوكالة، في شراكة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وتعلَّم هؤلاء العلميون استخدام تقنية المسبر النيوتروني لقياس رطوبة التربة، من أجل قياس وتحديد مستويات الرطوبة في التربة في محطة بحوث كسلا، بغية تحديد كمية الماء التي تحتاجها المحاصيل واستخدام السماد النتروجيني على الوجه الأمثل (انظر الإطار الخاص بالعِلم). ثم شكلت هذه الدراسات الأساس لتحديد كمية الماء والسماد التي ينبغي توفيرها عن طريق نظام ري يسمى الري بالتنقيط.

تستطيع المرأة، إذا تم تمكينها، أن تشارك في اتخاذ القرارات في الأسرة والمجتمع. ويساعد ذلك على الحد من الفقر، ويجعل التخطيط في المستقبل أكثر فعالية. وعند تمكين المرأة، يصبح المجتمع أكثر تمكينا.
رشيد سر الختم، المنسق بمنظمة تلاويت للتنمية، السودان

يجري العلميون دراسات بشأن الذرات الموجودة في التربة والمياه والأسمدة والمحاصيل لتحديد أفضل طريقة لزراعة المحاصيل وإدارة موارد التربة والمياه. (الصورة من: نيكول جاويرث، الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

لكل قطرة أثرها

نظام الري بالتنقيط منخفض التكلفة وسهل التركيب والاستعمال. فهو يشتمل على حوض مياه ضخم مرتفع يتم التحكم فيه بواسطة صمام فتح وإغلاق، يستخدِم - عند تشغيله - الجاذبية الأرضية لسحب المياه الممزوجة بالسماد إلى الأسفل لتدخل في سلسلة من الأنابيب موضوعة عند قاعدة النباتات مباشرة. ويسمى استخدام هذه الطريقة التي يمزج فيها الماء بالسماد عن طريق الري بالتنقيط ’الري المسمَّد‘.

وقالت السيدة لي هنغ، رئيسة قسم إدارة التربة والمياه وتغذية المحاصيل التابع للشعبة المشتركة بين الفاو والوكالة لاستخدام التقنيات النووية في الأغذية والزراعة إنه "على الرغم من أن الري بالتنقيط ليس تكنولوجيا جديدة في حد ذاته فإنه لا يمكن أن يكون فعالا وأن لا يضيع سوى القليل جدا من الماء إلا عندما يقام بطريقة صحيحة ويتم تحسينه إلى المستوى الأمثل باستخدام البيانات العلمية." وتروج الفاو طريقة الري المسمَّد هذه لدى البلدان والمناطق التي تكون فيها المياه شحيحة وذات قيمة عالية.

وقال رشيد سر الختم، المنسق في منظمة تلاويت للتنمية، إن "ما يجعل هذا النظام الخاص بالري بالتنقيط جديدا وابتكاريا هو ما صدر من هيئة البحوث الزراعية". فقد أجريت دراسات رائدة في حقول حول ولاية كسلا، على الحدود مع أريتريا. وتزود هيئة البحوث الزراعية منظمات غير حكومية، مثل منظمة تلاويت، بحزمة تقنية كاملة لإقامة واستخدام الري بالتنقيط والسماد، محسَّنة إلى المستوى الأمثل عن طريق العمل العلمي الذي تم بدعم من الوكالة. وكثيرا ما تسمى هذه المنطقة ’سلة غذاء‘ السودان، لأن التربة غنية بالمغذيات، وعند اجتماع هذه التربة مع المياه الكافية، اتضح أنها بيئة ممتازة لزراعة الأغذية. بيد أن إمدادات المياه تتلاشى بدرجة متزايدة بسبب تصاعد درجات الحرارة وتغير المناخ.

وقال الصادق سليمان محمد، المدير العام لهيئة البحوث الزراعية: "الماء والتربة ودرجة الحرارة: هذه كلها حزمة كاملة". "فمن دون نظام سليم للري، لا يمكنك تحقيق الغلة القصوى، ولكن من الناحية الأخرى لا يمكن أن تحقق التربة إمكانياتها الكاملة من دون استخدام السماد استخداما صحيحا. ولذلك يتعين علينا أن ننظر إلى الحزمة الكاملة."

وقد لفت نجاح مشروع الوكالة التجريبي في خفض استخدام المياه بأكثر من ٦٠٪ مع زيادة غلة الأغذية بأكثر من ٤٠٪ انتباه منظمات أخرى، مثل جمعية الهلال الأحمر السوداني ومنظمة تلاويت. وعملت هذه المنظمات بتعاون وثيق مع علميين من هيئة البحوث الزراعية دربتهم الوكالة لإنشاء وإدارة أكثر من ٥٠ من المزارع الصغيرة والبساتين المنزلية لفائدة أكثر من ٤٠٠ امرأة. وعقب نجاح هذه المشاريع، تعمل الآن هيئة البحوث الزراعية ومنظمة تلاويت وجمعية الهلال الأحمر السوداني مع الشركاء على إقامة أكثر من ٤٠ نظاما جديدا للري بالتنقيط لفائدة أكثر من ألف امرأة.

المزارع الصغيرة والبساتين المنزلية المزودة بنظم الري بالتنقيط تساعد على تمكين المرأة في السودان. (الصورة من: نيكول جاويرث، الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

تمكين المرأة من أجل التغيير المستدام

في حين تستفيد القرية بأسرها من هذه المشاريع الزراعية، كانت المرأة هي مجال التركيز الرئيسي بسبب الدور الهام الذي تؤديه في رفاه الأسرة. فالمرأة تستثمر في تعليم أطفالها وصحتهم قدرا من إيراداتها أكبر كثيرا مما يستثمره الرجل، أي ٩٠٪ من إيراداتها مقارنة بـ٣٠٪-٤٠٪ بالنسبة للرجال. ويرى البنك الدولي أن هذا الاتجاه يمكن أن يكسر حلقات الفقر التي تمتد عبر الأجيال.

وقال سر الختم: "تستطيع المرأة، إذا تم تمكينها، أن تشارك في اتخاذ القرارات في الأسرة والمجتمع". "ويساعد ذلك على الحد من الفقر، ويجعل التخطيط أكثر فعالية في المستقبل. فعند تمكين المرأة، يصبح المجتمع أكثر تمكينا."

ومع استمرار المشروع، تتطلع النساء بشغف إلى مواصلة الاستفادة من نجاحهن.

وقالت فاطمة اسماعيل: "نريد أن نفعل المزيد. نريد أن نوسع المساحة ونزرع أصنافا أكثر وأصنافا جديدة من الخضروات. نريد أن نساعد على تعليم أخريات كيف يفعلن هذا. ونحتاج إلى خزان مياه آخر، لكي يشارك كل جيراننا وكل نساء القرية. نريد أن تتاح الفرصة للكل. ونحن على استعداد."

حقائق سريعة:

يستخدم الري بالتنقيط ماء أقل بنسبة ٦٠ ٪من الماء الذي يستخدمه الري السطحي. كما أنه يحسن غلة محصول البصل بنحو ٨٠٠٠ كلغ/هكتار. ويسفرذلك عن دخل إضافي قدره أكثر من ٣٧٠٠ دوالر للهكتار الواحد من المحصول.

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية