You are here

كيف يتم الكشف عن فيروس كوفيد-19 باستخدام تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي؟

شرح الموضوعات النووية
,

تعدُّ تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي إحدى أكثر الأساليب المختبرية دقةً واستخداماً للكشف عن فيروس كورونا المستجد. (الصورة من: الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

نظراً إلى أنَّ الفيروس الذي يتسبب في العدوى بمرض كوفيد-19 آخذ في الانتشار في جميع أنحاء العالم، تعملُ الوكالة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) على تقديم دعمها وخبراتها لمساعدة البلدان على استخدام تقنية الاستنساخ العكسي في الوقت الحقيقي-التفاعل البوليميري المتسلسل (RT-PCR في الوقت الحقيقي)، وهي إحدى أدقّ الأساليب المختبرية المستخدمة للكشف عن فيروس كورونا وتعقبه وإجراء دراسات بشأنه.

ولكن، ما هي تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي؟ وكيف تعمل هذه التقنية؟  وما هي علاقتها بالتكنولوجيا النووية؟ إليكم لمحة عامة مفيدة بشأن هذه التقنية، وكيفية عملها، وبعض التفاصيل لتجديد معلوماتكم بشأن الفيروسات وعلم الوراثة.

ما هي تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي؟

وتقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي هي عبارة عن أسلوب مستمد من المجال النووي يُستخدم للكشف عن تواجد مواد وراثية متأتية من أي نوع من المُمْرِضَات، بما في ذلك الفيروسات. وفي الأصل، كان هذا الأسلوب قائماً على استخدام النظائر المشعّة بمثابة واسمات للكشف عن المواد الوراثية المُستهدفة، بيد أنّ التحسين الذي أدخل لاحقاً على هذه التقنية أدى إلى الاستعاضة عن الوسم النظيري بواسمات خاصة تكون في المعظم الأحيان أصباغاً فلوريةً. وبفضل هذه التقنية، يمكن للعلماء الاطلاع على النتائج بشكل شبه فوري بينما لا تزال عملية الكشف جارية. ولا تتيح تقنية RT-PCR التقليدية إمكانية الاطلاع على النتائج إلاَّ بعد انتهاء عملية الكشف.

وفي حين تُعدُّ تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي الأسلوب الأكثر استخداماً للكشف عن فيروسات كورونا، لا تزال العديد من البلدان في حاجة إلى الدعم لإعداد هذه التقنية واستخدامها.

ما هو الفيروس؟ وما هي المواد الوراثية؟

الفيروس هو عبارة عن توليفة مجهرية من المواد الوراثية يُحيطُ بها غلاف جزيئي. وتكون المواد الوراثية إما في شكل حمض ريبي نووي منزوع الأوكسجين (حمض د.ن.أ) أو في شكل حمض نووي ريبي (حمض ر.ن.أ). 

وحمض د.ن.أ هو عبارة عن جُزَيءٍ ذي جُدَيلتينِ موجود في جميع الكائنات مثل الحيوانات والنباتات والفيروسات، ويكون هذا الحمض حاملاً للشفرة الوراثية، أو المخطط، فيما يتعلّق بالكيفية التي تتكون بها هذه الكائنات وتتكاثر.

أما حمض ر.ن.أ فهو بوجه عام جزيء ذو جُدَيلة واحدة يقوم بنسخ أجزاء من الشفرة الوراثية واستنساخها ونقلها إلى البروتينات لكي يتسنى لهذه الأخيرة تكوين وتنفيذ الوظائف الكفيلة ببقاء هذه الكائنات وتكاثرها. وهنالك أنواع مختلفة من جزيئات ر.ن.أ منها التي تقوم بعملية النسخ، والتي تقوم بعملية الاستنساخ، والتي تقوم بعملية النقل.

وهنالك بعض الفيروسات من قبيل فيروس كورونا (SARS-Cov2) التي لا تنطوي إلاَّ على حمض ر.ن.أ، مما يعني أنّها تعتمد على ارتشاح الخلايا السليمة من أجل التكاثر والبقاء. وبمجرد اقتحامه الخلية، يستخدم الفيروس شفرته الوراثية — حمض ر.أ.ن في حالة فيروس كورونا — للسيطرة على الخلايا و"إعادة برمجتها" لكي تصبح بمثابة مصانع للفيروسات.  

وحتى يتسنى الكشف في جسم الإنسان عن فيروس كورونا على نحو مبكّر باستخدام تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي، يتعيَّن على العلماء تحويل حمض ر.ن.أ إلى حمض د.ن.أ. ويُطلق على هذه العملية اسم "الاستنساخ العكسي". ويلجأ العلماء إلى هذه العملية لأنّ حمض د.ن.أ هو الحمض الوحيد الذي يمكن نسخه — أو تضخيمه — ويُعدُّ ذلك جزءاً أساسياً من عملية الخاصة بتقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي للكشف عن الفيروسات.

ويقوم العلماء بتضخيم جزء معيَّن من حمض د.ن.أ الفيروسي المستنسخ مئات الآلاف من المرات. وتعدّ مرحلة التضخيم مهمة بما أنه وعوضاً عن محاولة الكشف عن قدر ضئيل من الحمض الفيروسي من بين الملايين من جدائل المعلومات الوراثية، يتوافر لدى العلماء عقب مرحلة التضخيمِ قدرٌ كاف من أجزاء حمض د.ن.أ الفيروسي المستهدفة لتأكيد وجود الفيروس بدقة.

كيف تكشف تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي عن فيروس كورونا؟

تؤخذ عينة من إفرازات أجزاء الجسم البشري التي يتجمّع فيها فيروس كورونا، من قبيل أنف الشخص أو حلقه. توُعالجُ العينةُ باستخدام عدة محاليل كيميائية تكفل إزالة مواد من قبيل البروتينات والدهون، وتستخرج فقط حمض ر.أ.ن الموجود في العينة. وحمض ر.أ.ن المستخرجُ هذا هو مزيج من الموادِ الوراثية الخاصة بالشخص، وحمضِ ر.ن.أ الخاص بفيروس كورونا، إن وُجِدَ.

ويُستنسخُ حمض ر.ن.أ عكسياً إلى حمض د.ن.أ باستخدام إنزيم خاص. ثم يُضيف العلماء شُدَفاً قصيرة من حمض د.ن.أ تكون مُكمّلة لأجزاء معيّنة من حمض د.ن.أ الفيروسي المستنسخ. وترتبط هذه الشُّدف بأجزاء حمض د.ن.أ الفيروسي المستهدفة في حال تواجد الفيروس في العينة. وتُستخدم بعض الشدف الوراثيةِ المضافةُ لتوليد جدائل د.ن.أ خلال مرحلة التضخيم، في حين تستخدم أخرى لتوليد جدائل د.ن.أ وإضافة واسمات وراثية إلى الجدائل، وتُستخدم هذه الجدائل فيما بعد للكشف عن الفيروس.

ثم يُوضع المزيج المُتحصل عليه داخل الجهاز الخاص بتقنية RT-PCR. ويقوم الجهاز بإخضاع المزيج إلى درجات حرارة متباينة تؤدي إلى تسخين المزيج وتبريده لحفز تفاعلات كيميائية تُولَّدُ من خلالها نسخ جديدة ومطابقة من أجزاء حمض د.ن.أ الفيروسي المستهدفة. وتُكرّرُ دورات إخضاع المزيج إلى درجات حرارة متباينة لمواصلة نسخ أجزاء حمض د.ن.أ الفيروسي المستهدفة. وتُضاعِفُ كلُّ دورةٍ الكميةَ السابقةَ: تصبح النسختان أربعاً، وتصبح النسخ الأربع ثمانياً، وهكذا دواليك. وعادة ما يمر تكوين قياسي باستخدام تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي بـ 35 دورة مما يعني أنه يتم خلال العملية برمتها، انطلاقاً من كل جديلة متأتية من الفيروس تكون موجودة في العينة، توليدُ 35 مليار نسخة جديدة من أجزاء حمض د.ن.أ الفيروسي المستهدفة.

وخلال عملية توليد النسخ الجديدة من أجزاء حمض د.ن.أ الفيروسي المستهدفة، تلتصق الواسمات الوراثية بجدائل د.ن.أ وتُطلق أصباغاً فلوريةً يتم قياسها بواسطة الحاسوب الخاص بالجهاز المذكور وتُعرض نتائج القياس على شاشة هذا الحاسوب في الوقت الحقيقي. ويتعقّب الحاسوب مقدار التفلور في العينة عقب كل دورة. وعندما يتجاوز هذا المقدار مستوى معيناً من التفلور، يعني ذلك أنَّ الفيروس موجود في العينة. ويرصد العلماء أيضاً عدد الدورات المطلوبة لبلوغ هذا المستوى بغية تقييم وخامة العدوى: فكلما قل عدد الدورات كلما اشتدت وخامة العدوى بالفيروس.

ما هي جدوى استخدام تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي؟

تعتبرُ تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي تقنية حساسة للغاية ومحدَّدة من شأنها توفير تشخيص موثوق في غضون ثلاث ساعات فقط، في حين أن التشخيص الذي توفره المختبرات عادة ما يستغرق في المتوسط فترة من الزمن تتراوح من 6 إلى 8 ساعات. ومقارنة بالأساليب المتاحة الأخرى التي تُمكن من عزل الفيروسات، فإنّ تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي أسرع بكثير وتقل معها احتمالات حصول تلوث أو أخطاء بما أن عملية الكشف برمتها تتم داخل أنبوب مغلق. وهي ما زالت تعدُّ أدقَّ وسيلة متاحة للكشف عن فيروس كورونا.

أما فيما يتعلّق بالكشف عن حالات العدوى السابقة، وهو أمر مهم لفهم آليات تطور الفيروس وانتشاره، فمن غير الممكن استخدام تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي نظراً إلى أن الفيروسات لا تظل موجودة داخل الجسم إلاَّ لفترة زمنية محددة. ويتطلّب تشخيص حالات العدوى وتعقبها وإجراء دراسات بشأنها أساليب أخرى، لا سيما فيما يتعلّق بحالات العدوى التي ربما تكون قد تطورت وانتشرت دون ظهور أعراض.

وقد عملت الوكالة بالتعاون مع الفاو لأكثر من 20 عاماً على تدريب خبراء من جميع أنحاء العالم على استخدام تقنية RT-PCR في الوقت الحقيقي وتزويدهم بالمعدات اللازمة، لا سيما من خلال شبكتها الخاصة بمختبرات التشخيص البيطري (فيتلاب). ومؤخراً، استخدمت هذه التقنية لتشخيص أمراض أخرى من قبيل الإيبولا، وزيكا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-Cov)، ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (SARS-Cov1) وغيرها من الأمراض الحيوانية المصدر والأمراض الحيوانية الرئيسية. والأمراض الحيوانية المصدر هي أمراض حيوانية يمكن أن تصيب البشر أيضاً. 

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية